* التسامح والتفكير النقدي واحترام كرامة الإنسان وإرادته .. قيم فلسفية أساسية لمحاصرة كافة أنماط التعصب
تقرير ✍️ د.خالد محسن
اختتمت أمس الإثنين الموافق 13 مارس 2023م فعاليات المؤتمر السنوي الدولي للجمعية الفلسفية المصرية والذي عقد تحت عنوان: “الاستشارة الفلسفية والعلاج بالفلسفة”.

شهد المؤتمر كوكبة من أساتذة الفلسفة بالجامعات المصرية ،من بينهم د.مصطفي النشار رئيس الجمعية الفلسفية ،وأستاذ الفلسفة التطبيقية بجامعة القاهرة ،ود.بهاء درويش أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة المنيا وعضو اللجنة الدولية لأخلاقيات البيولوجيا باليونسكو، ود.سامح طنطاوي أستاذ الفلسفة المعاصرة بكلية الآداب جامعة حلوان.
كما شارك في المؤتمر مجموعة من أساتذة الفلسفة والباحثين المتميزين من بعض الأقطار العربية ، كما كان لدولة إيطاليا نصيب وافر من المشاركة فيه من خلال مداخلات د.ريتا فيليريكو، ود.باربرا جاي.
كما قدمت رانيا عاطف “باحثة ماجستير في الفلسفة بكلية الآداب جامعة المنيا” ، وعضو الجمعية الفلسفية المصرية ورقة بحثية مهمة تحت عنوان: (دور الاستشارة الفلسفية في مواجهة التعصب وترسيخ مبدأ قبول الاختلاف)، تعرض منصة “المساء أون لاين” لأهم ما جاء فيها..
تقول الباحثة: يرجع سبب اختيار هذا الموضوع على وجه التحديد إلى أنه:- طالما أشيع عن الفلسفة أنها تختص بالبحث في جوانب الفكر النظرية، وحين تتجه إلى البحث في الوجود فهي تنظر إليه على أنه صور ذهنية مجردة، كما كان الانتقاد الأشهر للفيلسوف أنه يعيش في برجٍ عالي بعيدا عن مشكلات وقضايا عصره، وهو غير قادر على النزول للتواصل مع أبناء مجتمعه، إلا أن الفلسفة نفسها قد استطاعت أن تثبت عدم صحة كل هذه الانتقادات التي وُجهت إليها، فمنذ نشأة الفكر الفلسفي وعلى مدى تاريخه الطويل لم تغفل الفلسفة الجوانب التطبيقية ولم تعش أبدا منفصلة عن حياة الإنسان وسلوكه وأخلاقه، ولعل الدافع وراء هذا الاهتمام بجوانب الفلسفة التطبيقية كانت الحكمة اليونانية الشهيرة وهى: “إن الحجة التي لا تخفف ألما هي حجة لا قيمة لها”.
وانطلاقا من هذه العبارة يأتي السؤال الآتي: إلى أي مدى يمكن الاستفادة من الأفكار الفلسفية النظرية في حل مشكلات جوهرية في حياة الإنسان مثل مشكلة التعصب؟.
تتمثل إشكالية هذه الدراسة في السؤال الآتي: إلى أي مدى يمكن الاستفادة من الاستشارة الفلسفية في مواجهة التعصب وترسيخ مبدأ قبول الاختلاف؟
وقد هدفت هذه الورقة إلي التأكيد على أن جوهر الفلسفة تطبيقي ومن ثم حاولت إثبات قدرتها على الإتيان بحلول مجدية لمشكلات أصبحت تواجه الإنسان وتؤرقه، وذلك من خلال الاستعانة بالاستشارة الفلسفية كوسيلة لتحقيق هذا الهدف، كما حاولت أيضا التأكيد على قدرة الفيلسوف على مواجهة تحديات عصره وسعيه الدائم للبحث عن حلول لمشكلات مجتمعه.
ولتحقيق هذا الهدف قسمت الباحثة الدراسة إلى ثلاثة محاور رئيسية وهي كالآتي:
المحور الأول: الذي جاء متمثلًا في الإجابة عن السؤال الآتي: ماذا تعني الاستشارة الفلسفية ومتى ظهر هذا المصطلح؟، ظهر مصطلح الإرشاد الفلسفي أو الاستشارة الفلسفية Philosophical Counseling في ثمانينيات القرن العشرين على يد الفيلسوف الألماني “جيرد أخنباخ” Gerd Achenbach (1947م)، عندما نشر كتابه الذي جاء بعنوان “الاستشارة الفلسفية” عام 1984م، حيث يمثل هذا الكتاب مساهمة الفيلسوف “أخنباخ” في هذا المجال الجديد، والذي تأسس على يديه عام 1981م، وعلى الرغم من أن “أخنباخ” قد رفض أن يضع تعريفا محددا لهذا المصطلح -الاستشارة الفلسفية- إلا أن المصطلح بات يصف الحالة التي يقوم فيها الفيلسوف أو دارس الفلسفة المتخصص بتقديم يد العون إلى اشخاص آخرين وذلك من خلال الحوار معهم في مشكلات وجودية وهموم فكرية يعانون منها ، أي أن الاستشارة الفلسفية هي محاولة لتطبيق الفكر الفلسفي بطريقة واقعية على الأشخاص.
كما تناول المحور الثاني: عرضا لكيفية تطويع الأفكار الفلسفية النظرية والاستفادة منها في مساعدة الأشخاص على تخطي مشكلاتهم ومنها مشكلة التعصب، حيث بعد عرض مفهوم الاستشارة الفلسفية ومعرفة دواعي ظهور هذا المصطلح الذي بدا في ظاهره جديدا على الفكر الفلسفي إلا أنه في حقيقة الأمر يعد جوهر الفكر الفلسفي نفسه منذ نشأته وعلى مدى تاريخه الطويل، يأتي السؤال عن كيفية تطويع هذه الأفكار الفلسفية النظرية واستخدامها في مساعدة الأشخاص على تخطي مشكلاتهم الحياتية؟ وإلى أي حد يمكننا تنفيذ ذلك؟.
وهنا يأتي السؤال كيف يمكن الاستفادة من الأفكار الفلسفية النظرية في حل مشكلات جوهرية في حياة الإنسان مثل مشكلة التعصب؟.
ولكن قبل الإجابة على هذا السؤال المهم قدمت الباحثة عرضا موجزا لمفهوم التعصب وبيان ماذا يقصد به؟ وهو على النحو الآتي:
( مفهوم التعصب)
يمكن تعريف التعصب على أنه مرض اجتماعي يولد الكراهية والعداوة في العلاقات الاجتماعية والشخصية، ويمد التعصب صاحبه بأسباب وهمية تفوت عليه فرصة حل مشكلاته بطريقة واقعية، ويعطينا التاريخ عبر صفحاته عدة صور للتعصب عرفتها البشرية، شكلت أساسا لحلقات من الصراع وكانت مصدرا لتعاسة البشر، وحاجزا للتفاهم بينهم، نظرا لما يخلقه هذا التعصب من حواجز نفسية واجتماعية، فهو يعوق النمو النفسي للأفراد ويدفعهم إلى الاضطراب، ولا يمكن أبدا أن نجد سببا وحيدا مسؤولا عن التعصب، فهو يرجع لعوامل متشابكة ومتداخلة، لهذا فمن المهم ضرورة تبني رؤية شمولية تأخذ في اعتبارها جميع النظريات المفسرة للتعصب عند مواجهة هذه المشكلة والسعي للإتيان بحلول لها.
المحور الثالث: لبيان دور الفيلسوف في تأسيس وابتكار طرق وأساليب معالجة مشكلة التعصب وتعزيز قيم الحوار والتعايش مع الآخر المختلف من خلال الأفكار الفلسفية.
ويمكن تحقيق ذلك من خلال إرساء مجموعة من القيم الفلسفية في المجتمع مثل:-
( التسامح)
يعد التسامح مطلبا كونيا للخروج من متاهات العالم الذي بزغت فيه ملامح الصراع والأزمات واختفت منه القيم الأخلاقية ليسود التعصب والعدوان والكراهية للآخر، والتسامح بأبسط معانيه هو: احتمال المرء بلا اعتراض كل اعتداء على حقوقه الحقيقية رغم قدرته على دفعه، وقد ارتبط التسامح بحرية التعبير وذلك من خلال أن يحترم المرء أراء غيره لاعتقاده أنها محاولة للتعبير عن جانب من جوانب الحقيقة، وهذا يعني أن الحقيقة أغني من أن تحل إلى عنصر واحد، وأن الوصول إلى معرفة عناصرها المختلفة يوجب الاعتراف لكل إنسان بحقه في إبداء رأيه.
(التفكير النقدي)
يعد ترسيخ مبدأ التفكير الفلسفي النقدي وتفعيل دوره من حيث كونه سلوك منفتح الذهن يسعى إلى فحص جذور قضايا الحياة الأساسية دون أخذ الافتراضات المقبولة كأمر مُسلم به، والسعي إلى تجنب التفكير العقائدي أحادي الجانب على هذا النحو يمكن استخدامه إلهاما للتواصل مع الحياة بشكل أحدث وأعمق ووسيلة جيدة للتصدي لمشكلة التعصب.
( احترام كرامة الإنسان وإرادته)
من المؤكد أن تكون من بين هذه القيم العليا التي تكفل لنا علاج مشكلة التعصب قيمة احترام كرامة الإنسان وصون إرادته، فلا خلاف أبدًا على كون الإنسان هو المخلوق الأسمى الذي له كرامة يعد الاعتداء عليها جريمة أخلاقية، فما بالنا بإرادته خاصة وهو الكائن الوحيد الذي منح القدرة على التفكير والاختيار بل وله الحق في ذلك، إذن فاحترام كرامة الإنسان وحفظ حقه في الاختيار واحترام إرادته تعد من أقوى وسائل التصدي للتعصب والتطرف والعنف بشتى صوره؛ وذلك من خلال إرساء مبدأ قبول الاختلاف في المجتمع فلكل إنسان منهجه في التفكير وقناعاته التي ارتضاها لنفسه وبالتأكيد الاختلاف قائم بين البشر وهو سنة كونية مقبولة ومُرحب بها فلنختلف كما يحلو لنا ولكن يظل الهدف واحد وهو الأخذ بصواب الرأي أينما وُجد وعند من وُجد، إذن لا مجال ولا مكان لتعصب أو تطرف أو تنافر بين أبناء مجتمع أدرك قيمة إرادة الإنسان واحترم كرامته.
وأشارت الباحثة في ختام ورقتها أن الالتزام بهذه القيم الفلسفية يمكن من خلالها مواجهة مشكلة التعصب وما يمكن أن يترتب عليها من مشكلات أخرى تهدد المجتمع.