»»
لا حديث في هذه الأيام علي شبكات التواصل الاجتماعي وخاصة “فيس بوك” إلا حول شلل “البوستات” وتوقف المنشورات علي غالبية الصفحات ،دون تفسير منطقي أو فني مقنع لهذا الجمود التقني اللامقصود،أو المتعمد المقصود !.
ودار الحديث مرارا حول قلة متابعة ما يكتبه رواد الفيس بوك علي صفحاتهم ، وحظر التعليقات مؤقتا ،وإن كنت أري أن العبرة ليست بكثرة “اللايكات والإعجابات” بقدر نوعية وطبيعة المتابعين فربما يؤثر الواحد في ألف آخرين لو امتلك الفهم والتوصيف السليم للأحداث وتداعياتها ، ؤأجاد القراءة الشاملة المتفحصة ومنطق الحجة والاقناع ،مع كثير من فصاحة وبلاغة اللفظ وذكاء الاستيعاب، بمودة دون تشنج أو تعصب!.
كما دار النقاش بصورة مستفيضة حول فكرة “الخوارزميات” و”اللوغاريتمات” المعقدة ، والتي تخلق فرصا للانتشار الآلي للرسائل والاخبار والبوستات والصور والفيديوهات ،سواء الأصيلة أم “المشاركة” وبالتعبير الدارج “المشيرة”،وذلك وفق متواليات مبرمجة تعتمد في الأساس علي فكرة عالم الرياضيات العربي المسلم “أبوجعفر محمد بن موسي الخوارزمي” التي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي ،وتعتمد علي آليات ومكونات أساسية ثلاثة هي: التسلسل والاختبار والتكرار.
ومع بداية العهد الجديد للفيس بنظام ميتا ڤيرس Meta Verse ،أي ماوراء العالم ، هناك توجسات أن تتحول هذه المنصات والشبكات لأدوات فاعلة في دنيا السياسة والإيديولوجيات ،وتمتلك سلطة التوجيه والتربية والغرس والإعداد ،وربما المنع والمنح ، كما هو الحال في دنيا السياسة والتي تدار بمنطق نفعي مادي “ميكافللي” بحت حيث تبرر الغاية الوسيلة، ولوتحررت من الرباط القيمي ومواثيق الانسانية المجردة!.
والأمر الملاحظ هنا وفقا لمعطيات ما هو حادث أن منظومة الخوارزميات تنشط بصورة فائقة
في مواد الإثارة بكافة أنواعها والمواد الفاضحة، وبعض المضامين الاجتماعية ، كالتهاني والوفيات ،وأحيانا الشائعات المغرضة والمضامين المضللة والتي تعتمد علي تغييب العقول وطمس الهوىة وإضاعة الوقت والجهد والمال فيما لا ينفع ولا يفيد!.
أتصور أن الآليات الجديدة للفيس أصبحت موجهة بالدرجة الأولى ، وما بين حجب المضمون الهادف،وتعزيز التافه الفاضح تكمن عبقرية الخوارزميات المتحيزة، شاء من شاء وأبي من أبي!!
عفوا فلن تنتصر الميديا الغربية لقضايا العرب والمسلمين ،ولن تبرمج خوارزمياتها وفق أجندتهم العقيدية والقيمية
فلا تنتظروا إنصافا أو حيادية وستظل مؤسسات الإنتاج الغربية تتحكم فيما يبث وستحكم قبضتها بصورة أكثر فعالية مع التطور المتصاعد واللامحدود في برمجيات تكنولوجيا الاتصالات ،والذكاء الاصطناعي وحتي إشعار آخر!!.
ومما أثار العديد من علامات الاستفهام أن هذا التغير في أنظمة فيس بوك ،رغم أنه معلن سلفا ،لكنه فعل بطريقة مستفزة مواكبا لأحداث غزة، وتصاعد الإجرام الصهيوني في قتل الاطفال والنساء، والابرياء ،وقبيل اشتعال حرب الصمود الفلسطيني في7 أكتوبر 2023، حفظا للعزة والكرامة العربية،وذلك قبل ما يقترب من 50 يوما.
ونشطت الخوارزميات في التعطيل والحجب والتهديد بوقف الحسابات، ووصم المتعاطفين مع مأساة أهل غزة وفلسطين بالإرهابيين وعملت علي تجميدحساباتهم ،وارتدت لباس حقوق الإنسان بمفهوم غربي مزيف يسرد الأحداث والروايات بصورة مغلوطة مغايرة للحقيقة المرة التي أدمت القلوب وحركت ما بقي من ضمائر حية ومتحجرة لأبناء الشعوب الحرة ،وانتفضت الأفواه الصامتة شرقا وغربا ،وبقي الضمير الفاعل معطلا ومكبلا بما تريده أمريكا وأذنابها ،ولتذهب شعوب العالم للجحيم !.
إنه عالم جديد يتشكل بقوة المال والنفوذ، وإرهاب إليكتروني منظم لا يعترف بالعواطف والانسانيات التي أصبحت في خبر كان ،ووهما من أوهام الماضي السحيق !.
كما تداول رواد الفيس منشورا لعل وعسى أن يفك الحظر والحصار، ورفضه البعض لغياب المصداقية والشفافية ووصفه آخرون أنه حلقة من حلقات التحكم في توجيه الرأي العام في عالم “لميتافرس”، وحذر بعض المتعقلين من مساوئ الانسياق حول فكرة بالخوارزميات، ومن مضار منطق القطيع،والتي بدت مؤشراته سائدة ومتحكمة ونافذة، إلي أن يثبت العكس ،أو تتحرك دول ” الاستقبال فقط ” لإنتاج برامج موازية تحصنها من هذه الهجمة الرقمية الشرسة!.
إنها أدوات وآليات موجهة،وممولة لمساندة سياسات ربما دول أو جماعات مصالح لتنفيذ مخططات معدة سلفا تتخذ من جنون وهوس السوشيال والانبهار بما تقدمه المنصات من مختلف أنواع الوسائط المتعدده، مناخا جيدا ووسائل لتكبيل العقول وتغيبب العقول وإضعاف قيم الولاء والانتماء الأوطان،وتسعي جاهدة بكل السبل لترسيخ قيم الاستهلاك وعدم الرضا والتمرد علي الواقع وعلي الأسرة وعلي النسق المجتمعي ،مع مكافآت مجزية وب”الدولار” لمن يحوذ علي أكير عدد من المتابعين والمشاهدين ،وللدائرين بلا وعي في هذا الفلك الخبيث ببوصلة التحكم الغربي ،طالما ارتضي هذا الحشد بدور “المستقبل” المستهلك ولم يتحرك نحو إنتاج آليات بديلة وفاعلة.
ورويدا رويدا تتكشف خيوط الحقائق المرة فإعلام الميتافيرس.. والثورة الصناعية الإعلامية المعاصرة تنظر للمستقبل بعيون جديدة تفتقد المعايير، وأحبانا المباديء ،كي يقطف المؤثرون والمسيطرون الحصاد الأضخم للتحليق بعيدا في عالم ما بعد الافتراضي ،ومابعد الخيال!.
إنه الخطر القادم ..فاحذرره وتحصنوا منه معشر العرب.. وتبقي “المعادلة الصعبة” فكيف تقتطف المزايا والفوائد، دون أن ينالك آثار هذا الكدر والمساوئ والمقابح اللامحدودة، وأن تغادر مقاعد المستهلكين الصامتين ،وأن تكون مشاركا منتجا في صناعةإعلام المستقبل.. وإنا لمتفرجون !!