بقلم الأديب ✍️
يوسف الرفاعي
………………….
حب الوطن مسألة فطرية لا يمكن أن يزايد عليها أحد. فليس هناك وطني فرز أول ووطني فرز تاني أو ثالث أو حتى عاشر ،الوطني وطني وكفى.
** لكن معنى الوطنية يختلف من شخص لآخر ومن جماعة لأخرى حسب المرجعية الفكرية. فربما يتصور أحد أن الوطنية هي أن يربي أولاده وبناته على الاستقامة والنزاهة ويعلمهم الاجتهاد في تخصصاتهم فينقع مجتمعه ويقيه شرهم.
** وقد يتصور البعض أن الوطنية هي أن يجتهد في ابتكار ما يحتاجه مجتمعه ويرفض أن يبيع اختراعه لأي دولة أخرى أو منظمة لا تنتمي لوطنه، فيوفر على الوطن الحاجة لاستيراد مكلف.
** وعلى هذا النمط ربما يتصور آخرون أن الوطنية ألا يفرط في موارد وطنه وأن يحسن تدبيرها وتنميتها والتخطيط للنهوض بها إن كان مسؤولا، وأن يعمل على تنمية القطاع الذي ينتمي إليه أو يشرف عليه. وألا يقترح سياسات خاطئة أو مدمرة تورط مجتمعه في ديون أو قروض لإنجاز كماليات لا يحتاج إليها المجتمع.
** ومن الوطنية أن يحسن المسؤول اختيار السياسة الخارجية التي تضمن لوطنه السلامة فلا يورطه في تحالفات خطرة أو يجعله تابعا أو يربط مصيره ببلد آخر أو يجعله رهن تفاعلات خارجية تعرضه للخطر.
** والوطنية هي أن نبني الوطن دون أن نتكئ بثقلنا على كاهل فئة أو طبقة حتى تفنى .. بل من الواجب تنمية كل الفئات بما يصلحها ويصلح لها .. فلا تنتقم من الأغنياء تحت مسمى العدالة والمساواة .. أو تنتقم من الفقراء تحت مسمى الإصلاح الاقتصادي .. أو تعبث بأحلام الناس وتفضيلاتهم وتفرض عليهم سياسات تهدد وجودهم واستقرارهم .. أو تتبنى مناهج في الإصلاح تثير السخط أو الإحباط وتخلق تحاسد اجتماعي أو صراع طبقي او فئوي.
** ومن الوطنية أن تتبنى خطابا سياسيا او إعلاميا أو دينيا وكذلك ثقافيا يحترم التنوع الحاصل في المجتمع ويقدر الاختلاف الطبيعي ويحافظ عليه فلا تجعل فئات أو طبقات المجتمع توجه سهامها إلى أشقائها في الوطن أو تعلي من شأن فئات وتميزها عن غيرها وتجعل منها الطبقة العليا دون وجه حق .. وتسحق الآخرين.
** والوطنية أن تحسن توزيع الثروات وتحافظ على تكافؤ الفرص وأن تتيح للجميع فرصا مناسبة ليعيشوا بالطريقة التي تناسبهم وتجعلهم منتجين وراضين عن حياتهم. وكذلك ألا تحرم أحدا من النجاح وأن تهيء للجميع فرصا لتنمية قدراتهم وضمان استقرارهم، وأن تكافح الظروف التي تخلق الجريمة أو تنمي الانحراف، وأن تحافظ على هوية الوطن وتاريخه وخصوصية ثقافته.
** الحديث في ذلك يطول. ولن تكفيه سطور معدودات .. لكن أود أيضا أن الفت إلى أن من أهم مسؤوليات القياديين الوطنيين في المجتمع ألا يسمحوا للعناصر المتسلقة أو الانتهازية بإحباط فئات ما أو تهديدها أو تعريضها للخطر باقتراحاتهم غير السوية أو استهتارهم بأحلام الناس وتثبيط عزيمتهم .. على غرار النواب أو الإعلاميين الذين لا يكفون عن مطالبة الناس بالتبرع وهم يعلمون مأساة الفقر التي يغيشونها وأن المشروعات أو السياسات التي يطلبون بالتبرع لهم لا تهمهم ولا تخدمهم .. لمجرد أن يكسب هؤلاء المتسلقين المرتزقة ود النظام أو التقرب إلى السلطة لكي يجنوا مكاسب شخصية أو ينالوا مناصب في الدولة.
** من غير الوطنية أن يسمح لهؤلاء الانتهازيين بالوصول إلى الأبواق الإعلامية أو إلى مجلس النواب أو يسمح لهم بمخاطبة الجماهير بشكل مباشر وتصدر البرامج الفضائية والصحف والمنشآت الرقمية .. وكأنهم أوصياء على المجتمع. ليس من الوطنية أن تترك الساحة لعناصر لا تحظى بأي احترام جماهيري أو قبول لكي تبكت المجتمع وتهدده وتحتقره.
** انتبهوا يا سادة .. فالمجتمعات تنهار بكل بساطة إذا شعر العامة بأنهم يسحقون او يساقون كمن كتب عليهم الموت الى مضاجعهم .. وأن غير المؤهلين أصبحوا يرتعون في الصفوف الأمامية بلا وجه حق.
** لقد قالها الرسول الكريم ردا على سائل سأله عن الساعة متى هي، “إذا وسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة”. حفظ الله وطننا من كل مكروه.