في إطار ندواته وأمسياته الثقافية والأدبية ناقش نادي أدب دمياط مؤخرا رواية “الجانوس” للكاتبة عبير عبدالجليل ابراهيم والتي تنتمي لفئة الخيال العلمي،ويبلغ عدد صفحاتها ٢٦٩ صفحة.
شارك في المناقشات وتقديم الرؤي النقدي للرواية كوكبة من الأدباء من بينهم سمير الفيل ،
فكري داود ، حلمي ياسين،والكاتبة جيهان عوض البنا
وأدار الندوة الأديبة القاصة مها السيد الخواجه.
قراءة في رواية “الجانوس”
بقلم الأديبة ✍️
مها السيد الخواجه (عضو نادي أدب قصر ثقافة دمياط)
تدور أحداث رواية “الجانوس” للكاتبة عبير عبدالجليل ابراهيم في عالم من الفانتازيا والخيال العلمي ، تقع في مئتين وتسعة وستون صفحة، وهي الجزء الثاني لروايتها الأولى “العودة” حيث جمعت الكاتبة بين نوعين من أنواع الكتابة الإبداعية وهما:
• الفانتازيا العلمية:
تلك التي تحكي عن مجموعة البشر الذين يغادرون الأرض لجوءا لكوكب آخر ومحاولة الحياة والبدء من جديد ..
• والفانتازيا الفضائية:
حيث يمزج هذا اللون الأدبي بين الفانتازيا وأحد أفرع الخيال العلمي ويسمى (أوبرات الفضاء)، مما يسمح للكاتب بخلق أكوان مختلفة تتميز بتكنولوجيا متطورة ..
وكما يقال:
في الفانتازيا والخيال اكتب ما شئت ولن يراجعك أحد، إلا إذا أرفقت كلاما علميا، هنا عليك الاتكاء على حقائق ومن خلالها تنسج وقائع حكايتك .. ففي الفانتازيا أنت حر مطلق اليدين، بينما الخيال العلمي مُقيّد بقواعد علمية ومنطقية، لذلك أطلق عليه بعض النقاد اسم: (الفانتازيا المنطقية).
تدور أحداث الرواية في تخمين وتصور واقعي ورؤية تنبؤية عن الأحداث المستقبلية المحتملة لكوكب الأرض، وذلك بعد تدمير كل مظاهر الحضارة والتكنولوجيا على يد قوات “الجانوس” الفضائيين أثناء بحثهم عن الحجر الأرجواني الذي له قوة مدمرة، والذي سنعرف ماهيته ومن أين أتى، ومن الذي خبأه في الأرض عند قراءة الجزء الأول وهو رواية (العودة)، لنرى من خلال السرد عودة مجموعة البشر الناجين بعد الضربة الكهرومغناطيسية إلى أساليب الحياة في العصور الوسطى، من حيث الأسلحة ووسائل وطرق الحياة إلى جانب محاولتهم إعادة جمع الناجين أو من تبقى من البشر في أنحاء العالم، وتم عرض ذلك من خلال المجموعة التي ينتمي إليها “سيلا ورجاء”، في رحلة بحثهم عن كهف الجد عائد ليكتشفوا أسرار الأرض والرحلة منها إلى كوكب “كيبلر” ثم العودة مرة أخرى، ومن جانب آخر نرى الأحداث من جهة هؤلاء الغرباء وكوكبهم وما يعتريه من مشاكل وصراعات .. حيث تحاول وريثة العرش “إلارا” الالتحاق بالفوج الثاني من المركبات المتجهة نحو الأرض للبحث عن والدها الملك المخطوف، لتتطور الأحداث باكتشاف القائد “كيربيروس” هدف “إلارا” ومحاولة إخضاعها لسلطته، فتنجح في الهروب مع والدها في مركبة فضائية مجهزة تحط بها على سطح الأرض، ثم تعرض لنا الأحداث لقاء “إلارا” ووالدها مع “رجاء وسيلا” واتحادهما مع البشر ضد قوى الشر المتمثلة في قوات الجانوس، لتعرض لنا الكاتبة في مشاهد من وجهة نظري هي الأرقى في دمج الواقعي بالخيالي مطعمان بالعلم والمعرفة وسند من أساس ديني، فنرى مثالا رائعا لبلورة الفكرة وعرضها بأسلوب شيق سهل وسلس.
جاءت اللغة في الرواية بالعربية الفصحى سردا ووصفا وحوارا، كما جاء السرد متسلسلا في فصول تبادلية بين ما يحدث على أرض البشر وما يقابله على كوكب الجانوس، وقد عنونتها الكاتبة بعناوين وصفية للأحداث المنتظرة، ولا شك أن الحوار الممسرح كان الوسيلة المثلى لطرح هذا الكم من المعارف وعرض سير الأحداث.
برعت الكاتبة في التعريف بالشخصيات والتقديم لها، وأجادت في وصف التركيبة النفسية لكل شخصية حسب ظروفها البيئية وما عايشته، فصورت الشخصية الثائرة المقاتلة الباحثة عن الحرية والعدالة ك(رجاء، سيلا وإلارا)، وقدمت أيضا الشخصية الخاضعة المستسلمة لمجريات الأحداث، كما أجادت وتمكنت من إظهار مدى التغيرات النفسية والسلوكية للأشخاص والمجتمعات، للتدليل على تأثير الخوف والضعف وما يفعله القهر والإذلال بالبشر أو أي مخلوق آخر، يقع ضحية احتلال أو اجتياح سواء كان لمدينة أو لكوكب بأكمله ..
*خاتمة* ..
الرواية رؤية واقعية وتساؤلات ربما نغفل عنها، ولكن لأن عقل المبدع الذي لا يغادره التساؤل، ولا يكف عن البحث في أبواب المعرفة وعرض المشكلات ثم وضع الحلول لها، نجد أن الكاتبة طرحت علينا عدة تساؤلات واستفسارات:
– ماذا لو استمر الإنسان في إهدار موارده وتلويث بيئته؟!
– كيف سنتصرف لو أصبح كوكب الأرض غير صالح للحياة؟!
– هل نستطيع بالفعل إيجاد كوكب آخر نلجأ إليه؟
– وإن كان هذا الكوكب مأهول بحياة وسكان، هل سيقبلوننا بينهم؟!
أم سيخشون منا على كوكبهم بعد أن أفسدنا ودمرنا أرضنا؟!
أقول لكم أننا سنعرف الإجابة لكل هذه التساؤلات عندما نقرأ الرواية بجزأيها.
اقتباسات
• من لم يتعلم من تاريخه لا يلومَن أعداءه على صفعاتهم.
• إن للأماكن حنين، فهي تئن لغيابنا عنها ونئن لأنينها الذي يُسمع صداه داخلنا فيسوقنا إليها عنوة، إن لم يكن بأجسادنا فبأرواحنا.
• أحيانا نئد أحلامنا وآمالنا بأيدينا، لأنها لا ترقى لمشروعنا القدري ونَقبل بما اعتقدنا أنه الأدنى، لكنه في الحقيقة هو الخير بعينه بل أعلى وأغلى ما نصل إليه من الفهم والرقي.
• مؤلم ذلك الشعور بفقد أجبرنا أنفسنا على حدوثه، لأننا نشتهي قربا وحبا وودا، رغم تيسيره لنا إلا أن عظم المسؤولية الملقاة على أنفسنا أعظم من أن نجاريها وننفذها.
……..
الراواية صدرت عن دار غراب للنشر في طبعتها الأولى عام ٢٠٢١م.
🍂