ضمن إصدارات معرض القاهرة الدولي للكتاب وعن “دار الفكر العربي” عرض للأديبة د.عبير زكريا أستاذ أستاذ الميكروبيولوجيا بهيئة الطاقة الذرية كتاب”أنا لا آكل الخبز”.. من إبداع أدب الرحلات.
وتحكي د.عبير قصة الكتاب في أسلوب روائي قصصي شيق حيث تقول:
“ذات يوم كنت عائدة من الجامعة وأثناء سيري بهمَّة وسعادة معانقة بقلبي كل ما حولي من مخلوقات الله المُنعَّمة وسط أجواء ساحرة ومتأملة بعقلي أرض الله وتنوع الخلق والثقافات راضية كل الرضا عن إنجازاتي العلمية التي أحرزتها من جراء تزاوج قدراتي البحثية الدفينة مع ما قدمته لي الجامعة الإنجليزية من إمكانات بحثية فائقة … كانت رحلة يومية ممتعة من السير النشيط بعد يوم حافل بالإنجازات تستغرق أربعين دقيقة … كانت تنقضي كلمحة مناجاة قدسية مع الحال.
وبينما كنت في طريق عودتي غارقة في تلك المناجاة المُمتعة وفي يدي شطيرتان من الخبز، وكنت قد قررت أن أتخذ مجلسا وسط هذا الجمال لتناولهما إذ بشاب قد تعدى الثلاثين شديد الوسامة أزرق العينين يستوقفني ويُفيقني من تأملاتي موجها لي سؤالا مفاجئا: مالك أيتها الغريبة عن بلادي تبدين والسعادة تشرق على وجهك والابتسامة تشع إشعاعا لا أفهم مصدره وأنت كما يبدو لي تنتمين لبلد متخلف؟.
وأشار إلى حجابي … نظرتُ إليه وأنا مازلت مبتسمة الظاهر والباطن سائلةً إياه: وأنت يا ابن هذا التحضر والذي يمتلك كل هذا الجمال ويتمتع طوال عمره بما لم أتمتع به مالك تبدو تعيسا غائما؟!.
كان يبدو ثَمِلا قليلا فقد أصبحت خبرتي تؤهلني لمعرفة درجات الثمالة …
قال لي هل سعادتك ونشوتك قد صنعها نوع من الخمر لم أجربه؟؟!
قلت: بل أنا لم أذُق الخمر في حياتي … مددت إليه يدي داعية إياه لتناول شطيرة فأخذها مني وهو يتأملني في ذهول …
قلت له: أتدري أن المُخ البشري بطبيعته يفرز موادًا منها ما يبعث على السلام ومنها ما يبعث على النشوة، وهذه المواد يتوقف إفرازها بفعل الخمر والنيكوتين والمواد المُدخلة على الجسم … فيصبح هدوؤك النفسي وسلامك ونشوتك معتمدا على ما تتناوله من مواد صناعية …
فسألني سؤالا غاية في الذكاء: هل هذا التفاعل عكسي؟ … وهو يعني هل يستعيد جسمه القدرة على إفراز كيماويات السعادة الطبيعية لو توقف عن الخمر… فقلت له: نعم …
عرفت أنه مهندس وقد فُصِل من عمله بسبب اعتماد الشركات على الحاسبات وأنه يائس ويشعر بالتعاسة والقنوط …
نظرت إليه بعمق وأنا أتذكر حال الشباب في بلادي وما يجتاحهم من أسباب لليأس من كل جانب فلا يقنطون.
مضينا كلٌّ في طريقه ومازلت أفكر … كيف لهذه البلدان المتحضرة أن يسود فيها فكر القطيع فيسير أفرادها جميعًا نحو تغييب عقولهم بهذه الخمور لِتَكون نمط حياة يُسبغ عليهم شيئًا من الخدر ولا أدري ممَّ يريدون الهروب … فما أجمل عالمهم الخارجي …
لعلهم يريدون الهرب من عالمهم الداخلي ذلك العالم الخاوي الذي لم تُعْنَ به العقول المُخطِّطة في تلك العوالم المتحضرة …
ألم تتوقف العقول المُخطِّطة أمام السبب الذي من أجله يتهافت الناس على شرب الخمر؟ … ذلك الشراب الذي يخامر العقل فيحجبه شيئا فشيئا… فيتدرج الإنسان هبوطا عبر درجات الثمالة إلى أدنى المراتب الإنسانية إن لم يكن قد أهدر إنسانيته تمامًا ويتساوى في ذلك الشاب والشيخ … الطالب والأستاذ … الرجل والمرأة … كل من في هذا المجتمع يشربون الخمر … ولا يقف أحد ليسأل نفسه لماذا يشرب الخمر؟ … ولماذا يلجأ لمُتعة الانسحاب من الواقع … كان عجيبا أن أجد أن فكر القطيع موجود في كل مكان في الأرض وإن اختلفت مساحة التبعية.
كما صدر للأديبة د.عبير زكريا لها مؤخرا كتاب(سقراطيات في المطبخ)،بمشاركة نجلها أحمد عكاشة.