بطن الزير..!!
قصة قصيرة: لأحمد رفاعي آدم
..ولم ينم طويلاً ، ربما لم يَغمضْ جفنُه قبل أن تُوقظه صباحُ بلهجتها الساخرة قائلةً:
– قُمْ يا فالح تَسَّحَّر.
ورغم كسلِه ورغبتِه القاتلةِ في النومِ الذي بدأَ يتسربُ إلى داخلِه في نشوةٍ لذيذةٍ قفزَ من الفراشِ لمُجرد سماع كلمة (تَسَّحَّرْ). نعم هذا هو السحور! المنقذُ من شبحِ الجوع! وعَقَدَ العزمَ وهو يركضُ صوبَ الخُوانِ الخِشِبي على أن يقذفَ في جوفِه أكبرَ كميةٍ ممكنةٍ من الطعام. كانت به رغبةٌ جنونيةٌ لإلتهام ما تقعُ عليه عيناه. وبالفعل أكتسحَ جميعَ الأواني وراحتْ يداه المكتنزتان تطيشان في كل صحن. كان كالمسحورِ، أو قل كالنائمِ! ولم يوقظه سوى كَفُّ أبيه يطرقعُ على قفاه صائحاً:
– بالراحة يا ولد المشلوم.. ما لك؟! طالع من مجاعة؟!!
وتوقف بطنُ الزير فجأةً ليفيقَ ويلتقطَ أنفاسَه، ولكن ما إن هدأتْ عاصفةُ الغضبِ وعاد الطاعمون إلى ما كانوا عليه حتى نسي الصفعةِ والصيحةِ والتوبيخِ وأباه ذاته، وغاصَ من جديدٍ في سحورِه الأول، وملأ بطنه بالطعام والشراب حتى غاب عنه النَفَسُ فكان يتصيدُه تصيداً. ونهض ثقيلاً في شبه غيبوبة وخيشومُه الكبيرُ ينفسُ الزفيرَ المسموعَ بصعوبة. ومضى إلى الحَمَّامِ فقضى فيه مدةً ثم عاد أكثرَ خِفةً فجلسَ واستزادَ من الطعامِ والشرابِ حتى قالت أمه محذرةً:
– يكفي يا مجدي .. لا تُكثِر من الطعام وإلا ستصاب بكَرْشَة ِنَفَس! هيا قُمْ لتتوضأ وتستعد لصلاة الفجر.
فنهض محزوناً على بعض الصحون التي كانت لا تزال بها بقايا طعام، ولكن خامَرَه شعورٌ كبيرٌ بالثقةِ لشَبَعِه الكاتِمِ المُتَكَدِّس! الآن هو مستعدٌ لأول صيام له في حياته!
*******
صلَّى بطنُ الزيرِ الفجرَ في المسجدِ رفقة أبيه وبعد خروجه مضى صوب دار العم رشوان حيث الفَسَحاية الواسعة فعثَرَ على الأصحاب. وهناك راجعوا الاتفاق وتأكدوا من صيام الجميع، فوقفَ بسيسة أكبرهم سنّاً في شُموخٍ وبنظرةِ الخبير راح يطالع ألسنتهم المفرودة خارج أفواههم فيلمحُ عليها ذلك البياض الذي تكتسبه بفعل الصيام على حد زعمِ طفولتهم الجاهلة. بعد ذلك اشتعل حماسهم للعبِ وبدون تفكير أجمعوا على لعبة “الاستغماية” حيث ينقسمون إلى فريقين، أحدهما يختبئ والآخر يجدُّ في البحث عنه، وكانت أرض الحارة وربما عِزبة الجِمِّيز بأكملها مسرحاً للعبتهم الغشيمة تلك حيث يصلحُ الجري والإختباء في البيوت وفي الغيطان وفوق الأشجار وداخل الخرابات! وانغمسوا في اللعب ساعةً أو تزيد استفرغوا فيها جُلَّ طاقتهم، ولما انتهوا كانوا كالخِرَقِ البالية فاستلقَوا في الفَسَحاية وقد نال منهم التَعبُ والعَطَش، ولم يتردد معظمهم في إعلان الاستسلام! وشربوا جميعاً إلا بطن الزير وبسيسة وخشم الدُرج واثنان آخران، كانوا قد رَكِبَ التحدي رؤوسَهم وعزموا على المُضي قُدُماً حتى النهاية.
وعاد الجائعُ العطشانُ إلى داره وأحسَّ بمغْصةٍ في بطنه الكبير وتحرَّكَتْ فطرتُه المجبولة على حُب المأكل والمشرب فاشتهت نفسُه قدحاً من ماء القُلَّةِ لكنه قاوم ولاذ بالفرارِ إلى فراشه وقد بيَّتَ النيةَ على الهروب من حرَّ النهار وأوجاعِ الصيام إلى النوم! والحقُّ أنه تقلَّبَ كثيراً في فراشه وجافاه النوم وراح خيالُه النَّهِمُ يصور له منظر الطعام: الدجاج المُحَمَّر وطاجن الأرز المُعَمَّر وصينية البطاطس في الفرن وصحن الملوخية الخضراء المصنوعة بالسمن البلدي، وطالت القائمة وراحت معدته تُقَرقِرُ وتفرزُ عُصارتها الهاضمة فأحسَّ برغبةٍ كبيرة في تحطيم التحدي وكسر وعده وهمَّ بالنهوض لولا أن أتاه صوتُ أبيه يتلو وِردَه من القرآن فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وسكنت نفسُه ولان خاطرُه وبدأت أعصابُه ترتخي رويداً رويداً حتى سقط أخيراً في لُجَّةِ النوم.
*******
استيقظ عند الظهيرة، ويبدو أن شمسها الملتهبة هي التي أوقظته، فنهض وجبينُه يتصببُ عرَقاً وملابسه شبه مبتلة كأنه غطَسَ في “ترعة الحلوانية” قبل قليل. تحامَلَ على نفسه ومضى إلى صحن الدار ومنه إلى حجرة الخبيز حيث وجد أمه وشقيقتيه تخبِزن، وضربت أنفَه الغليظ رائحةُ الخبز الشمسي لحظة خروجه من الفرن فتذكَّرَ لذة طعمه محشواً بالسكر والزبدة وقد أذابتهما سخونته الطيبة فجعلت مذاقه شهياً. وقرقرت بطنه مرةً ثانية وراح يمصمص شفتيه وهو يحملقُ بالأرغفة الساخنة مرصوصةً فوق المِطرحة أمامه وقد طار صوابُه. أخيراً أفاقَ على صوت “هنادي” شقيقته الثانية وهي تداعبه مازحةً:
– ما رأيك؟ هل أصنعُ لك رغيفك المفضَّل بالسكر والزبدة؟
وارتجف لسؤالها السخيف! ويحها كأنها سمعت خاطره أو قرأت أفكاره! وبدا مرتبكاً للحظةٍ لكنه لوَّح بيده في النهاية وغادر حجرة الخبيز إلى صحن الدار حيث الدِكك الخشبية والتلفاز الأبيض والأسود. كانوا محظوظين لدخول الكهرباء إلى قريتهم منذ عامين، الحقيقة أن أشياءً كثيرة جميلة حدثت في مصر وبرِّ الصعيد بأكمله عَقِبَ انتصار أكتوبر 73. وأدار التلفاز فعثرَ على حلقة من برنامجه المُفضَّل فمكث غير قليلٍ حتى سمع أمه تناديه. ونهضَ متثاقلاً كأن رجليه قد رُبِطتا بحبلِ في أرجل الدِكة، وتحامل على نفسه حتى بلغها فراعه أنها طلبت منه أن يذهب إلى السوق ليشتري بعض الخضروات لزوم وجبة الإفطار، وشَقَّ ذلك عليه وشعر أنه مطلوبٌ على الجبهة في الحرب فحاول التملص بأكثر من حُجةٍ لكن أمه لم تدع له مهرباً وحاصرته بجملتها المعهودة:
– يا عيب الشوم!! أيُرضيك أن تخرج إحدى أختيك إلى السوق يا سبع البرمبة؟!
وقطعاً كانت إجابته دوماً “لا” فأذعن لطلبها وركب نعليه وخرج. وما إن فتَحَ بوابة الدار الخارجية حتى لفحه حرُّ الظهيرة. يا رباه، ما هذا الحرُّ؟! وما هذا الشوب الذي لا يقل درجةً عن شوب الفرن المشتعلة؟!! وحادثته نفسه بالنكوص والرجوع، لكنه خَجِلَ من نفسه فمضى متثاقلاً يحُثُّ الخُطى صوب السوق الذي يبعد عن دارهم مسيرة دقائقٍ خمس لا أكثر، وكان في سيره يتحاشى وسَطَ الطريق فكان يمشي جانب الحوائط و خلَلَ الأشجار الباسقة حتى أتم مهمته الشاقة وعاد سالماً غانماً. لكنه ما لبث بعد رجوعه أن أحسَّ بعطَشٍ شديدٍ لم يعرفه في حياته. ويكأن جسده السمين فقدَ كل سوائله! وتعجب أين ذهب الماء الذي كرعه قبيل الفجر! فقد شرب وحده ما يقارب من ثلث الزير!! وهل سُمي “بطن الزير” إلا لأتساع بطنه و ضخامة كِرشِه؟
وسيطر عليه الجزَعُ وبدأ اليأس يتسرب إلى نفسه الطفولية ويبدو أنه مع فَقْدِ الماءِ قد فَقَدَ حماسه وإصراره على إكمال التحدي! فراودته نفسه على الاستسلام كما استسلم معظم رفاقه من قبل، وقال لنفسه إنه بطلٌ لبقائه صائماً حتى هذه الساعة، ألم يشرب زملاؤه قبل طلوع الشمس؟ أما هو فقد قاوم و صمَدَ حتى منتصف النهار!!! ولكن ماذا عن خصميه اللدودين؟ ماذا عن بسيسة وخشم الدرج؟ أبداً لن يستسلم و يُشمِتْهُما فيه! ..
ولم ينم طويلاً ، ربما لم يَغمضْ جفنُه قبل أن تُوقظه صباحُ بلهجتها الساخرة قائلةً:
– قُمْ يا فالح تَسَّحَّر.
ورغم كسلِه ورغبتِه القاتلةِ في النومِ الذي بدأَ يتسربُ إلى داخلِه في نشوةٍ لذيذةٍ قفزَ من الفراشِ لمُجرد سماع كلمة (تَسَّحَّرْ). نعم هذا هو السحور! المنقذُ من شبحِ الجوع! وعَقَدَ العزمَ وهو يركضُ صوبَ الخُوانِ الخِشِبي على أن يقذفَ في جوفِه أكبرَ كميةٍ ممكنةٍ من الطعام. كانت به رغبةٌ جنونيةٌ لإلتهام ما تقعُ عليه عيناه. وبالفعل أكتسحَ جميعَ الأواني وراحتْ يداه المكتنزتان تطيشان في كل صحن. كان كالمسحورِ، أو قل كالنائمِ! ولم يوقظه سوى كَفُّ أبيه يطرقعُ على قفاه صائحاً:
– بالراحة يا ولد المشلوم.. ما لك؟! طالع من مجاعة؟!!
وتوقف بطنُ الزير فجأةً ليفيقَ ويلتقطَ أنفاسَه، ولكن ما إن هدأتْ عاصفةُ الغضبِ وعاد الطاعمون إلى ما كانوا عليه حتى نسي الصفعةِ والصيحةِ والتوبيخِ وأباه ذاته، وغاصَ من جديدٍ في سحورِه الأول، وملأ بطنه بالطعام والشراب حتى غاب عنه النَفَسُ فكان يتصيدُه تصيداً. ونهض ثقيلاً في شبه غيبوبة وخيشومُه الكبيرُ ينفسُ الزفيرَ المسموعَ بصعوبة. ومضى إلى الحَمَّامِ فقضى فيه مدةً ثم عاد أكثرَ خِفةً فجلسَ واستزادَ من الطعامِ والشرابِ حتى قالت أمه محذرةً:
– يكفي يا مجدي .. لا تُكثِر من الطعام وإلا ستصاب بكَرْشَة ِنَفَس! هيا قُمْ لتتوضأ وتستعد لصلاة الفجر.
فنهض محزوناً على بعض الصحون التي كانت لا تزال بها بقايا طعام، ولكن خامَرَه شعورٌ كبيرٌ بالثقةِ لشَبَعِه الكاتِمِ المُتَكَدِّس! الآن هو مستعدٌ لأول صيام له في حياته!
*******
صلَّى بطنُ الزيرِ الفجرَ في المسجدِ رفقة أبيه وبعد خروجه مضى صوب دار العم رشوان حيث الفَسَحاية الواسعة فعثَرَ على الأصحاب. وهناك راجعوا الاتفاق وتأكدوا من صيام الجميع، فوقفَ بسيسة أكبرهم سنّاً في شُموخٍ وبنظرةِ الخبير راح يطالع ألسنتهم المفرودة خارج أفواههم فيلمحُ عليها ذلك البياض الذي تكتسبه بفعل الصيام على حد زعمِ طفولتهم الجاهلة. بعد ذلك اشتعل حماسهم للعبِ وبدون تفكير أجمعوا على لعبة “الاستغماية” حيث ينقسمون إلى فريقين، أحدهما يختبئ والآخر يجدُّ في البحث عنه، وكانت أرض الحارة وربما عِزبة الجِمِّيز بأكملها مسرحاً للعبتهم الغشيمة تلك حيث يصلحُ الجري والإختباء في البيوت وفي الغيطان وفوق الأشجار وداخل الخرابات! وانغمسوا في اللعب ساعةً أو تزيد استفرغوا فيها جُلَّ طاقتهم، ولما انتهوا كانوا كالخِرَقِ البالية فاستلقَوا في الفَسَحاية وقد نال منهم التَعبُ والعَطَش، ولم يتردد معظمهم في إعلان الاستسلام! وشربوا جميعاً إلا بطن الزير وبسيسة وخشم الدُرج واثنان آخران، كانوا قد رَكِبَ التحدي رؤوسَهم وعزموا على المُضي قُدُماً حتى النهاية.
وعاد الجائعُ العطشانُ إلى داره وأحسَّ بمغْصةٍ في بطنه الكبير وتحرَّكَتْ فطرتُه المجبولة على حُب المأكل والمشرب فاشتهت نفسُه قدحاً من ماء القُلَّةِ لكنه قاوم ولاذ بالفرارِ إلى فراشه وقد بيَّتَ النيةَ على الهروب من حرَّ النهار وأوجاعِ الصيام إلى النوم! والحقُّ أنه تقلَّبَ كثيراً في فراشه وجافاه النوم وراح خيالُه النَّهِمُ يصور له منظر الطعام: الدجاج المُحَمَّر وطاجن الأرز المُعَمَّر وصينية البطاطس في الفرن وصحن الملوخية الخضراء المصنوعة بالسمن البلدي، وطالت القائمة وراحت معدته تُقَرقِرُ وتفرزُ عُصارتها الهاضمة فأحسَّ برغبةٍ كبيرة في تحطيم التحدي وكسر وعده وهمَّ بالنهوض لولا أن أتاه صوتُ أبيه يتلو وِردَه من القرآن فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم وسكنت نفسُه ولان خاطرُه وبدأت أعصابُه ترتخي رويداً رويداً حتى سقط أخيراً في لُجَّةِ النوم.
*******
استيقظ عند الظهيرة، ويبدو أن شمسها الملتهبة هي التي أوقظته، فنهض وجبينُه يتصببُ عرَقاً وملابسه شبه مبتلة كأنه غطَسَ في “ترعة الحلوانية” قبل قليل. تحامَلَ على نفسه ومضى إلى صحن الدار ومنه إلى حجرة الخبيز حيث وجد أمه وشقيقتيه تخبِزن، وضربت أنفَه الغليظ رائحةُ الخبز الشمسي لحظة خروجه من الفرن فتذكَّرَ لذة طعمه محشواً بالسكر والزبدة وقد أذابتهما سخونته الطيبة فجعلت مذاقه شهياً. وقرقرت بطنه مرةً ثانية وراح يمصمص شفتيه وهو يحملقُ بالأرغفة الساخنة مرصوصةً فوق المِطرحة أمامه وقد طار صوابُه. أخيراً أفاقَ على صوت “هنادي” شقيقته الثانية وهي تداعبه مازحةً:
– ما رأيك؟ هل أصنعُ لك رغيفك المفضَّل بالسكر والزبدة؟
وارتجف لسؤالها السخيف! ويحها كأنها سمعت خاطره أو قرأت أفكاره! وبدا مرتبكاً للحظةٍ لكنه لوَّح بيده في النهاية وغادر حجرة الخبيز إلى صحن الدار حيث الدِكك الخشبية والتلفاز الأبيض والأسود. كانوا محظوظين لدخول الكهرباء إلى قريتهم منذ عامين، الحقيقة أن أشياءً كثيرة جميلة حدثت في مصر وبرِّ الصعيد بأكمله عَقِبَ انتصار أكتوبر 73. وأدار التلفاز فعثرَ على حلقة من برنامجه المُفضَّل فمكث غير قليلٍ حتى سمع أمه تناديه. ونهضَ متثاقلاً كأن رجليه قد رُبِطتا بحبلِ في أرجل الدِكة، وتحامل على نفسه حتى بلغها فراعه أنها طلبت منه أن يذهب إلى السوق ليشتري بعض الخضروات لزوم وجبة الإفطار، وشَقَّ ذلك عليه وشعر أنه مطلوبٌ على الجبهة في الحرب فحاول التملص بأكثر من حُجةٍ لكن أمه لم تدع له مهرباً وحاصرته بجملتها المعهودة:
– يا عيب الشوم!! أيُرضيك أن تخرج إحدى أختيك إلى السوق يا سبع البرمبة؟!
وقطعاً كانت إجابته دوماً “لا” فأذعن لطلبها وركب نعليه وخرج. وما إن فتَحَ بوابة الدار الخارجية حتى لفحه حرُّ الظهيرة. يا رباه، ما هذا الحرُّ؟! وما هذا الشوب الذي لا يقل درجةً عن شوب الفرن المشتعلة؟!! وحادثته نفسه بالنكوص والرجوع، لكنه خَجِلَ من نفسه فمضى متثاقلاً يحُثُّ الخُطى صوب السوق الذي يبعد عن دارهم مسيرة دقائقٍ خمس لا أكثر، وكان في سيره يتحاشى وسَطَ الطريق فكان يمشي جانب الحوائط و خلَلَ الأشجار الباسقة حتى أتم مهمته الشاقة وعاد سالماً غانماً. لكنه ما لبث بعد رجوعه أن أحسَّ بعطَشٍ شديدٍ لم يعرفه في حياته. ويكأن جسده السمين فقدَ كل سوائله! وتعجب أين ذهب الماء الذي كرعه قبيل الفجر! فقد شرب وحده ما يقارب من ثلث الزير!! وهل سُمي “بطن الزير” إلا لأتساع بطنه و ضخامة كِرشِه؟
وسيطر عليه الجزَعُ وبدأ اليأس يتسرب إلى نفسه الطفولية ويبدو أنه مع فَقْدِ الماءِ قد فَقَدَ حماسه وإصراره على إكمال التحدي! فراودته نفسه على الاستسلام كما استسلم معظم رفاقه من قبل، وقال لنفسه إنه بطلٌ لبقائه صائماً حتى هذه الساعة، ألم يشرب زملاؤه قبل طلوع الشمس؟ أما هو فقد قاوم و صمَدَ حتى منتصف النهار!!! ولكن ماذا عن خصميه اللدودين؟ ماذا عن بسيسة وخشم الدرج؟ أبداً لن يستسلم و يُشمِتْهُما فيه!
(الجزء الثالث والأخير.. الاسبوع القادم)