…………..
بقلم : أ.د حسن رجب
(أستاذ الدراسات الصينية_عميد كلية الألسن جامعة قناة السويس )
مع حلول الأول من أكتوبر تحتفل مصر بالذكرى الثلاثة والسبعون لتأسيس جمهورية الصين الشعبية ذلك الحدث الكبير الذى عدّل من مسار التاريخ وغيّر من خريطة العالم السياسية والاقتصادية وقدم نموذجًا فريدًا من الحكم السياسى باشتراكية ذات خصائص صينية.
وذلك من خلال نسيج مجتمعى مختلف عن باقى دول العالم فى ظل قوة صينية ذات حضارة وثقافة عريقة ممتدة لآلاف السنين والتى أبت أن تكون ساكنة أو خاضعة لأى عقبات تؤثر فى قيام نهضتها الكبرى حتى وصلت إلى القمة لتثبت وجودها ومكانتها بين الأمم فى المجتمع الدولى.
وكانت مصر من أوائل الدول فى العالم التى أعلنت اعترافها بتأسيس جمهورية الصين الشعبية فى عام 1949 حيث بدأت العلاقات المصرية الصينية بلقاء جمع بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر ورئيس مجلس الدولة الصيني شو إن لاي في أبريل عام 1955 وذلك خلال مشاركتهما في مؤتمر باندونج بإندونيسيا واتفاق الزعيمين على إقامة علاقات دبلوماسية رسمية تم تدشينها فى 30 مايو عام 1956.
حيث قامت مصر بدعم عضوية جمهورية الصين الشعبية في الأمم المتحدة اعتمادًا على مبدأ “صين واحدة”وعلى الجانب الآخر قامت الصين بمساندة مصر إزاء جميع التحديات التي واجهتها فأيدت القرار المصري بتأميم شركة قناة السويس كما أدانت العدوان الثلاثي على مصر عام 1956وفى الفترة الأخيرة تبنت الصين موقفًا مؤيدًا لاختيارات الشعب المصري خلال ثورتي 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013 وأعلنت رفضها لأي تدخل خارجي في الشأن الداخلي لمصر.
ومنذ توقيع اتفاق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الرئيسين عبدالفتاح السيسى وشى جين بينج خلال زيارة الرئيس السيسى للصين فى عام 2014 تعيش العلاقات المصرية الصينية فترة ازدهارها الكبيرة من خلال التعاون الوثيق بين البلدين الكبيرين بكافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية فى ظل عالم جديد متعدد الأقطاب يتبادل فيه الجميع المنافع نحو رخاء الشعوب.
وجاءت زيارة الرئيس شى جين بينج إلى مصر فى عام 2016 بمناسبة الاحتفال بمرور 60 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين لتدفع هذه الزيارة الهامة العلاقات الإستراتيجية بين البلدين نحو آفاق أرحب بتوقيع عدد من الاتفاقيات الكبيرة خصوصًا فى المجال الاقتصادى.
حيث كانت مصر من أوائل الدول التى قامت بخطوات عملية للمشاركة فى تنفيذ مبادرة الحزام والطريق الصينية لتتوافق مع مشروع مصر الوطنى بتنمية منطقة قناة السويس وغيره من المشروعات القومية العملاقة فى ربوع مصر المختلفة.
وتم الإتفاق بين الحكومتين المصرية والصينية على إقامة سلسلة من المشروعات التنموية فى المنطقة الإقتصادية لقناة السويس وإقامة عدد من المشروعات الإستثمارية الصينية فى العاصمة الإدارية الجديدة خاصة فى حى “المال والأعمال” والذى يُعد علامة اقتصادية بارزة فى عالم التجارة والأعمال فى الشرق الأوسط وأفريقيا وليكون شاهدًا على عمق الصداقة المصرية الصينية.
وكذلك إنشاء مشروع القطار الكهربائى السريع LRT (السلام-العاشر من رمضان-العاصمة الإدارية الجديدة) والذى قام الرئيس عبدالفتاح السيسى بافتتاح مرحلته الأولى فى يوليو الماضى مع احتفالات مصر بالذكرى التاسعة لثورة 30 يونيو المجيدة.
ودائما ما تتسم العلاقات السياسية بين مصر والصين بخصوصية شديدة من حيث توافق الرؤى بشأن دعم الحلول السلمية والدبلوماسية للأزمات والصراعات في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الوضع في سوريا والعراق وليبيا وكذلك يتجلى بوضوح موقف بكين الثابت الداعم لحل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي بالطرق الدبلوماسية في ضوء قرارات الأمم المتحدة وعلاوة على ذلك، يسعى البلدان إلى تعزيز التعاون الدولي في عصر العولمة وتحقيق أقصى استفادة من مبادرة “الحزام والطريق”.
وفى بداية انتشار جائحة كورونا مطلع عام 2020 سارعت مصر بإرسال شحنة من المساعدات الطبية إلى الصين للوقوف جنبًا إلى جنب مع شعب الصين الصديق من أجل تجاوز الأزمة وتحت عنوان “رد الجميل” قامت الصين بإرسال العديد من شحنات المساعدات الطبية المتنوعة لوزارة الصحة والشعب المصرى الصديق.
وبالأمس القريب وصل التعاون الوثيق بين البلدين فى مجال مواجهة كوفيد – 19 بقيام الصين بتسليم مجمع التبريد اللوجستي المميكن الخاص بحفظ لقاحات كورونا والذي أهدته شركة سينوفاك لمصر وتصل القدرة الاستيعابية لهذا المجمع المتطور إلى حوالي 150 مليون جرعة من اللقاحات بما يجعله الأول في إفريقيا من حيث القدرة الاستيعابية وبما يساهم في تحسين كفاءة إدارة اللقاحات في مصر وتعزيز قدرتها على حفظ اللقاحات ونقلها لتصبح مصر مركزًا إقليميًا لإنتاج وحفظ ونقل اللقاحات والمساهمة في دعم عملية التطعيم بمصر ورفع مستواها في مجال الصحة العامة كضمانة أساسية لتحقيق التنمية.
كما شهد التطور اللافت للعلاقات المصرية الصينية وتميزها فى الآونة الأخيرة موافقة الصين والدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون على منح مصر صفة “شريكة حوار” بالمنظمة وذلك كخطوة أساسية نحو تحقيق العضوية الكاملة ولتفتح آفاقًا جديدة للتنمية المشرقة وتعميق التضامن والتعاون وتعزيز العلاقات الدولية نحو بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية ،
ويرجع هذا التطور التاريخى الكبير فى العلاقات المتميزة بين مصر والصين بكافة المجالات إلى أن البلدين مثّلا عبر الزمن محورًا جيوسياسيًا في عالمهما لكونهما بلدين ذوي حضارتين عريقتين فهما ركيزة لمنطقتيهما من خلال احتضانهما لأكبر عدد من السكان وامتلاك كل منهما لقوة سياسية ومؤسسات ثقافية ومنظمات اجتماعية وجيش قوي كما تشاطر البلدان واقعًا تاريخيًا مشتركًا حيث كان يتعين عليهما النضال لنيل استقلالهما وبناء دولتيهما خلال القرن العشرين الذي اتسم بالتقلبات والاضطرابات الشديدة.
كذلك حرص البلدان على رسم سياساتهما الخارجية وفقا لمبادئ القانون الدولي واحترام الآخرين ولهذا السبب تتمتع مصر والصين برؤية تتسم بقدر من التشابه إن لم تكن متطابقة حيال القضايا ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لكليهما.
حيث ينتهج البلدان سياسات متوافقة من حيث السعي والعمل من أجل السلام في كافة أرجاء العالم والدعوة إلى ديمقراطية العلاقات الدولية وإقامة نظام دولي سياسي واقتصادي منصف وعادل قائم على احترام خصوصية كل دولة فضلًا عن تفهم كل طرف للقضايا الجوهرية للطرف الآخر وتتمسك الدولتان بمبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية لأي دولة والسعي إلى حل النزاعات عبر الطرق السلمية وقد تجلّت هذه السياسة في مواقف كل منهما تجاه الآخر في مختلف المحافل الدولية.