بقلم: أحمد رفاعي آدم ( * روائي وأديب )
——————————–
استكمالاً لما نشرناه عن العقل ودوره العظيم في مقال سابق (أفيقوا يرحمكم الله!) نعرض لصراع العقل والنفس. إن صراع العقلِ والنفسِ صراعٌ قديمٌ خالدٌ باقٍ حتى نهايةِ الحياة. طالما هناك إنسانٌ بعقلٍ وقلبٍ ونفسٍ وروحٍ ستكون هناك مصارعةٌ، مشاكسةٌ، منازلةٌ، مجادلةٌ، سمِّها ما شئت. لسنا ملائكةً فنعبدُ الله ولا نعصي على الدوام، فكلُّ بني آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون، ولسنا شياطين نعصي أبداً ونسعى في الأرض فساداً، إنْ نحنُ إلا بشر خلقَنا الله من طين وجعل لنا روحاً خالدة بعد فناءِ الجسدِ وركَّبَ في الجسدِ أعضاءً “الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورةٍ ما شاء ركبك”، فجعل لنا قلوباً تهوى وتميلُ وتبغضُ وتكرهُ، وعقولاً تفكرُ وتحللُ وتختارُ، وجوارحاً بها نستقبلُ ونرسلُ، وتلك الصورة البشرية أصل العقل فينا والنفس، ومن هنا ينشأ الصراع. فما سر الاختلاف بينهما؟ وأيهما أحق بالقيادة؟ وعلى من فيهما واجبُ السمع والطاعة؟.
أولاً: لا شك أنَّ النفسَ تميلُ إلى السهلِ دون الصعبِ، والممتعِ دون الموجعِ، وبطبعها الذي جُبلت عليه تكره القيود وتحبُ الانطلاق، قد تُفضِّلُ القريبَ وإن ضرَّ، على البعيدِ وإن نفع! أما العقلُ فهو الضابطُ المحققُ الذي يوازنُ ويفاضلُ فيؤْثِرُ الخيرَ على الشرِ ويختارُ النافعَ على الضارِ. ثانياً: النفسُ تُطلقُ وتحررُ والعقلُ يَعْقِلُ ويقيِّدُ. فالعاقلُ من عقَلَه عقلُه فأحسنَ الاختيار ولم يتسرع في قرار، والأحمقُ من اتبع هواه وانقاد لنفسه وشهوته. ثالثاً: النفس على حالات متباينةٍ منها اللوامة والأمارة بالسوء والمطمئنة والغافلة، وكذلك العقلُ درجات متفاوتة بين العلم والجهل والجد والهزل والصواب والخطأ. إذن العقلُ والنفسُ كلاهما شريكان في تكوين الإنسان. يتشابهان قليلاً ويتنافران كثيراً.
وكلاهما له شأنه ووظيفته التي جُبِلَ عليها ورُكِّبَ من أجلها. فالعقل ينظرُ في الأمور ويتدبر أحوالها فيتأنى قبل أن يصدر قراره، كالقاضي الحكيم يتريث قبل أن يبُتَّ في القضية فهو يستمع إلى الشهود في يقين ويُقلبُ في الدلائل والبراهين ويتحرى الحقيقةَ ما وجد إلى ذلك سبيلاً، فإذا أصدرَ حكمه كان عن إيمانٍ راسخ وعلى بينةٍ صلبة فكان موفقاً بعون الله.
وأما النفسُ فهي عجولةٌ ملولةٌ، تستعذبُ اللذة وإن كانت من حرام وتستعجل السعادة وإن أتت من شر الكلام، والعجيب أنها لا تعرف إلى التأني سبيلاً، فتكون عاقبتها الندامة. والأعجبُ أنها قلما تعي الدرس وتتعلمُ من أخطائها فهي ضالةٌ مضلةٌ عن جادّةِ السلامة. والنفس بهذه الصورة تشبه أهل الطيش الحمقى الذين يعيشون لحظتهم طمعاً في اللذة العاجلة دون نظرٍ في العاقبة، وأولئك أخطاؤهم بحرٌ يغرقُ فيه صوابهم!.
وبناءً على ما سبق يثبت لدينا أن النجاة في إسلاس القيادة للعقل دون النفس، فالعقل يسوس والنفس تتبع حكمه، العقل يتصدر والنفس تتأخر، العقل بشهادة القرآن الكريم سر تكريم ابن آدم “ولقد كرمنا بني آدم”، أما النفس وبشهادة القرآن أيضاً أمّارةٌ بالسوء “إنَّ النفسَ لأمارةٌ بالسوء”. فمن أراد الفلاح وسعى إلى النجاح ورجى من ربه حسنَ المئابِ فليكن بأمر الله من أولي الألباب.