ما بين دراما الزمن الجميل ، ودراما العصر وما بين الأمس واليوم تقف الدراما العربية في مفترق الطرق تشكو حالها وتراجعها وإنعزالها التدريجي عن قضايا وهموم المجتمع العربي، وفي حاجة ماسة لتصحيح المسار والعودة لسابق عهدها قبل أن يطلق عليها بعض المتشائمين رصاصة الرحمة لغياب عناصر التجويد والإبداع من النص حتي الإخراج!.
ومع قدوم عام جديد تتوق النفوس أن تشهد دراما العرب عصرا مغايرا وتعويض ما فاتها مع اقتراب الموسم الرمضاني 2022،حيث فقدت الدراما العربية رافدا مهما من روافدها ،وهي الدراما السورية الأصيلة ،والتي قدمت أعمالا تاريخية ودينية متميزة ،علاوة علي الدراما الإجتماعية ، وكانت حتي عهد قريب مع الدراما المصرية تمثلان ثقلا إبداعيا وفنيا مشهودا ، ولكن يبدو أن خريف النضب العربي قد أصابهما بالعطب المؤقت ،كما أصابت ثورات الربيع معظم دولها، وحولتها إلي خريف طويل ومستنقع آسن للدمار المادي والوجداني حتي إشعار آخر.
وثالثة الأثافي هي الدراما الخليجية التي تمتلك الإمكانيات المادية ولكنها تضل الطريق أحيانا ،فهناك قضايا عربية ومآسي في العراق وسورياوليبيا واليمن ولبنان وغيرها ينبغي أن تلقي الإهتمام من كتاب المضامين وصناع الدراما، ويجب أن تترجم لأعمال درامية هادفة ، فهي تحوي حكايات وروايات وأحداث تفوق نسج خيال المؤلف الحاذق.
ونحتاج بين الفينة والأخري ، أو من وقت لآخر للتذكرة، بدراما الفن المغرض الخبيث لتجنب الوقوع في براثن الفكر التطبيعي مع العدو الصهويني المغتصب ،الذي يسري في جسد الكيانات العربية كما تسري النيران المستعرة في الهشيم !!
وفي هذا السياق جاء المسلسل الدرامي الكويتي ” أم هارون” الذي عرضته قناة mbc في رمضان ٢٠٢٠ ، وأعادت عرضه بعض الفضائيات والقنوات العربية ، وأثار العديد من التساؤلات حول أصل فكرة المسلسل وجهة التمويل..
المسلسل أخرجه محمد جمال العدل، من تأليف علي شمس ومحمد شمس، وتم تصويره في دول الإمارات العربية ،وبطولة عدد من الفنانين العرب وعلي رأسهم الفنانة الكويتية الشهيرة صاحبة الأعمال الإجتماعيةالمتميزة حياة الفهد بدنيا الدراما الكويتية.
وقد وجه الكثيرون نقدا لاذعا للفنانة حياة للمشاركة في بطولة عمل كهذا ، أجمع عليه النقاد بأنه دراما مغرضة ذات أهداف خبيثة وهدفها الخفي تجميل الصورة الذهنية لتاريخ اليهود ، وتستحق الوصف بأنها نكسة عربيه جديدة.
وقد تزامن هذا العمل مع التصريحات المستفزة للفنانة ،التي انطوت علي التنمر والسخرية ضد بعض الوافدين بدولة الكويت مع تصاعد تفشي وباء كورونا!!
وما بين دنيا الواقع والخيال الدرامي ، هناك خيوط حبكة إبداعية متشابكة ، ومترابطة ، ولكل فنان محطات فنية تشكل تاريخه وإطار لصورة ذهنية ترتبط به بصورة وثيقة، كما أن إختيار الفنان لأعماله الدراميه تدعم بلا شك سلبا أو إيجابا تلك الانطباعات ، والتي تشكل علاقة خاصة بين الفنان وجمهوره.
وأتصور أن الفنان المبدع من يتريث في انتقاء أعمال درامية تدعم القيم والمباديء ولا تصطدم مع ثوابت عقيدية أو وطنية.!! واعتقد أن الفنانة الكويتية حياة الفهد وقعت فريسة الاختيار الخاطيء بقبولها دور البطولة لتشارك في تجميل صورة اليهود في توقيت تسعي اسرائيل ، ومايدعمها من كيانات فاسدة لتمييع فكرة الدولة الفلسطينيه، ودعم الاستيطان واعتبار القدس عاصمة أبدية للكيان الصهيوني.
وهنا يثور الاستفهام بكل استنكار.. كيف تمارس الفنانة حياة الفهد التنمر والسخرية والكبر وتطالب بإبعاد الوافدين والمصريين عن الكويت وتتهمهم بأنهم سبب تفشي وباء كورونا بالكويت، وتطالب صراحة بترحيلهم وإلقائهم في الصحراء، وفي نفس الوقت تدافع عن يهود “أم هارون” وترفض الهجوم الضاري علي مؤسسة الفهد للانتاج الفني ، وتؤكد أن هؤلاء اليهود العرب مجرد بشر ،ولهم مواقف وظروف إنسانية لا يعلمها الكثيرون !!
هذا التناقض الإنساني والفكري والتعاطف مع تاريخ يهود غابر، والتمييز العنصري ،ورفض تواجد جنسيات عربية وغيرها، أثار موجة من الرفض والتعجب والاستجهان!! ..
هذه الازدواجية بين ما يعتقده الفنان وبين مايمارسه في الواقع قد تقلل من رصيده كثيرا وربما ينفد تدريجيا ويكتب بنفسه ولنفسه سطور الختام وكلمات النهاية الحزين ،وهو ما حدث مع الفنانة الكويتية صاحبة التاريخ الفني العريق، فمن جديد سقطت في براثن الدراما المغرضة للتطبيع وتحسين الصورة الذهنيه للكيان الصهيوني.!!
وفي اعتقادي أن مسلسل أم هارون انتكاسة درامية بكل ما تحمله الكلمة من معان، تضاف لأعمال مشبوهة كمسلسل ‘حارة اليهود” وغيرها..
ولا أدري لماذا لا توجه أموال ومقدرات العرب لإنتاج أعمال هادفة تدعم فكرة الوحدة والتكاتف العربي بدلا من هذا العبث ، وهذا المسلسل الذي يحكي قصة حياة عوائل يهودية ،ويرصد العلاقات بين المسلمين والمسيحيين والجالية اليهودية في الكويت في الأربعينيات، والمظالم والتمييز الذي عاناه المجتمع اليهودي خلال ذروة الحركة الصهيونية والنكبة، ثم الإشارة للعنصرية والتمييز الممهنج الذي واجهوه في إسرائيل بعد طردهم من وطنهم !!
.وقد جسدت حياة الفهد شخصية الحكيمة والولاّدة اليهودية «أم هارون»، التي تتمتع بالحكمة والسماحة ،تعالج وتطبب وتساعد أهل القرية بكل حب وصبر!!
ومن ردود أفعال المسلسل دعوة الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين بأن تمنح الكويت الجالية اليهودية التي اضطرت إلى الهجرة غير العادلة لأراضيها وإعادة جنسيتها، وفقاً للدستور الكويتي، الذي يمنح أي شخص كان يعيش في الكويت قبل 1920 الجنسية.. وبطبيعة الحال دافع المتحدث باسم جيش الدفاع الإسرائيلي أفيخاي أدرعي عن المسلسل وبطلته حياة الفهد، قائلاً إنها كانت تواجه اتهامات من قبل مروجي المؤامرة الذين يفضلون البرامج التلفزيونية العنصرية التي تروج للأكاذيب المعادية للسامية، والذين يعتبرون “التطبيع” إهانة.!!
وعلي غرار المسلسل السوري “التغريبية الفلسطينيه”، الذي أذيع عام ٢٠٠٤ كنت أتمني أن يشارك هذا “الكوكتيل” العربي في إبداعي عمل فني يجسد مأساة الشعب السوري وتشريده بفعل فساد الأنظمه وثورات الربيع العربي التي تحولت لخريف طويل الأمد، بدلا من هذا التعاطف الاحمق الصريح مع يهود العرب!!..
وفي الختام فالصورة ليست قاتمة تماما ،فهناك أعمال درامية متميزة فنيا ، قدمت في السنوات القليلة الماضية لكنها قليلة، من بينها مسلسل الإختيار وخيط حرير و إلا أنا وحكاية ورا كل باب وممالك النار وفيلم الممر ، وذلك لإرتباطها الوثيق بحياة الناس وتجسيد أحداث من واقع الحياة.
وربما تأثر الإنتاج سلبا في زمن الكوفيد، وتداعيات كورونا الجامحة، لكن تحيا الأماني بقدوم ربيع جديد و بآمال العودة لزمن الإبداع الجميل.