* الدكتورة شيماء..ودعت الحياة في حادث أليم مع نجلها .. ونالت درجة الدكتوراه بعد وفاتها بثمانية أشهر!!
…………………..
ستظل حياة الناس كتابا مفتوحا مفعمة بالأفراح والأتراح ،وربما يجتمع الوجهان والنقيضان الأبيض والأسود، وتمضي الحياة ، تاركة علي محطاته المتتابعة عبرا ودروسا وعظات لمن أراد أن يستقي منهجا من دفتر أحوالها المتغير.
وتبقي القيم الإنسانية والفضائل والمثل العليا أقوي من كل القوانين البشر المادية التي تخطيء الطريق أحيانا لتحقيق العدل الإنصاف ، وربما تتعاطي مع الأحداث بعيون كفيفة وآذان صماء وقلب ميت مريض!!.
ولعل قيم ولوائح الضمير الإنساني ،والإنتصار للقيم تحت شعار الإنسان أولا هو ما حلم به وطمح إليه الفلاسفة والمفكرون الراشدون قديما وحديثا ومعاصرا، ممن اتصفوا بالحكمة والتعقل، رغبة منهم في تغيير الواقع المادي بمراراته وسقطاته في عالم أصبح وأمسي وصار بلا قلب ..إنها الحياة!
وماتزال هناك ومضات نور تشي بالخير والأمل وتضيء غياهب التراجع القيمي ،ففي سابقة جامعية انتصرت للقيم الإنسانية قبل اللوائح والقوانين حصلت شيماء المدرس المساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسيه بجامعة القاهرة علي درجة الدكتوراه بعد وفاتها مع نجلها الصغير بحادث مؤلم قبل ثمانية أشهر وظلت عدة أشهر في غيبوبة ،لكن القدر إختار لها مكانا أكثر أمانا وعدلا، وراحة أبدية، وأبت روحها تلبية لنداء الرحمن أن تفارق روح صغيرها ،فصعدا سويا لعالم السماء.
لكن سطور جهدها العلمي الكبيبر ستظل في دنيا الناس زكاة لروحها الطاهرة ولعلمها الفياض.
وعقد مجلسا جامعة القاهرة وكلية الإقتصاد والعلوم السياسية ميثاقا إنسانيا يقضي بقبول الرسالة ،وأحقيتها في نيل الدرجة العلمية، وحصلت علي درجة الدكتوراه بعد الممات،مع خالص الأمنيات أن تنال مقاما رفيعا ساميا عند رب السماوات.
جاءت رسالة الفقيدة شيماء عن الإقتصاد الأخضر ، وحملت عنوان (سياسات النمو الأخضر..وتأثيرها علي قطاع الطاقة في مصر)، وهي قضية عصرية مهمة وأحد توجهات الدولة المصرية التنموية لتدشين دعائم الأمل والنهوض في جمهورية جديدة بمعايير ومقاييس عصرية.
وستظل مقترحات رسالتها العلمية الفريدة وما توصلت إليه من نتائج وتوصيات نبراسا ومنهجا ،لكنها ودعت الحياة صامدة قوية كما هي الأشجار تموت وقوفا!
ووفقا للتقاليد العلمية عقدت لجنة المناقشة للحكم علي الرسالة ، وفي مشهد أبكي الجميع حين حضروا جميعا وغابت البطلة،التي كانت ترقبهم بروحها الطاهرة ، وعلي منضدة الباحث وضعت صورة لشيماء ونجلها، ونسخة ما قبل التجليد من بحث الدكتوراه وحصلت علي درجة العالمية الدنيوية بدرجة الإمتياز مع مرتبة الشرف الأولي مع التوصية بطباعة الرسالة والإستفادة من هذا الجهد العلمي الكبير.
وقد إمتزجت تفاصيل المشهد المؤلم بدموع وداع عروس السماء وعبق الذكريات حين اتشحت لجنة المناقشة بالسواد، وارتدي الحضور ملابس الحداد، وانهمرت عبرات زوجها ووالدتها
وابنتها “حبيبة”،ولاراد لقضاء الله ،فقد مات الجسد ولكن الحلم لم يفارق الحياة!.
وبكلمات حزينة يحكي الدكتور محمود السعيد، عميد الكلية، تفاصيل مناقشة الرسالة قائلًا: “في رمضان الماضي تعرضت الدكتورة شيماء لحادث أليم، توفي على إثرها نجلها في الحال، وظلت هي في غيبوبة لمدة ثمانية أشهر حتى توفيت .
وقُبيل الحادث كانت شيماء على وشك الانتهاء من الرسالة، ولذا قامت الدكتورة عادلة رجب المشرفة على رسالتها بالتواصل مع أهلها، والسعي لمناقشتها ومنحها الدرجة العلمية، لتكريمها لكونها نموذجًا يحتذى بها ويجب تقديرها”.
وبعد وفاتها، عرض السعيد الأمر على رئيس جامعة القاهرة ليقوم بعرضه على مجلس الجامعة والذي وافق بالإجماع على مناقشة الرسالة،فقد كانت شيماء رحمة الله عليها نموذجًا لعضو هيئة التدريس المتفانية في عملها، الملتزمة في أخلاقها، المتميزة في علمها”.
وفي نبأ صادم أعلنت الصفحة الرسمية لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” في الثاني عشر من ديسمبر الماضي، عن وفاة شيماء الزلاط، وسط برقيات رسائل التقدير والامتنان من قِبل الأساتذة والطلاب الذين تعاملوا معها.
وعن الاستفادة من الرسالة في المستقبل، أكد عميد الكلية: “هي عمل بحثي متميز، وستتم الاستفادة منه عن طريق طباعة نسخ منها في مكتبة الكلية والجامعة للإطلاع عليها من قبل طلاب الدراسات العليا، بجانب تقديم بعض الوزارات المهتمة بالاستثمار في الطاقة النظيفة لطلب نسخة منها كوزارتي التخطيط والصناعة والتجارة للاستفادة من نتائج وتوصيات الدراسة.
ومن الممكن أن يتم تدريس بعض الأجزاء من محتوى الرسالة للطلاب عن طريق الأساتذة في قسم الاقتصاد”.
وتم تشكيل اللجنة المعنية بمناقشة رسالة الدكتوراه من قِبل الدكتورة منى البرادعي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية السابق، والدكتورة نيهال المغربل، نائب مجلس الشيوخ المصري، ونائب وزير التخطيط الأسبق، والدكتورة عادلة رجب الأستاذ المتفرغ بقسم الاقتصاد والمشرفة على الرسالة.
و رأت اللجنة أن رسالة الراحلة تستحق الحصول على درجة الدكتوراه في الاقتصاد بتقدير ممتاز في قرار إنساني، أسعد جميع المنتمين لكلية الاقتصاد والعلوم والسياسية، ورسالة تؤكد أن من يعمل ويجتهد سيحصل على نصيبه حيا وميتا.
وسبحان من يقول: (تبارك الذي بيده الملك وهو علي كل شيء قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور) صدق الله العظيم. الملك ١-٢.
إنها لحظات فارقة بين الحياة والموت وبين الأمل في دنيا فانية، والصعود لسماوات الرحمن ، وربما الجنة، حين تنتهي الغربة ويلتقي الأحبة والصالحون وتطيب الجراح في ضيافة الكريم العفو الرحيم..
(رحمها الله رحمة واسعة وأسكنها الفردوس الاعلى بإذن الله).
# معكم..الإنسان أولا ..