د. ناهد الطحان
( اشتريت ؟؟ إذن ؛ فلتحضر قلما ، واشحذ ذاكرتك ، وأضيء تلك الغرفة التي أظلمتها ، فهذه ليست رواية رجل يدعي حب سيدة تدعي أنها تحبه ، وكلاكما لا يعلم عن الحب غير اسمه ورسمه)!
هذه هي طريقته حين يقدم لك كتابه ( مش مجرد قراءة ) إنه يخرجك – عبر الشكل والمضمون – من مكمنك الذي عشت فيه ليأخذ بيدك إلى النور كي تتأمل نفسك في علاقتها بالآخر ، ذلك الذي أرهقته حين أرحتها من عناء الإرتحال داخل عالمه .
إنه الأديب الطبيب اسلام محمد شحاته ، قرأت له مؤخرا كتابه ( مش مجرد قراءة ) فعرفت أن القادم أكثر ذكاء مما أعتقد ، إنه يتقد علما وفلسفة حين يتأمل الحياة بعين محترف واع قادر على تغيير الواقع بالسخرية منه ، لا سخرية رافضة ناقمة وإنما سخرية ناضجة تتعامل مع الواقع الذي يسكننا بشخصياته المتناقضة من أجل تغييرهم والعبور من السلبي إلى الإيجابي بروح المغامر المكتشف وليس المقامر .
عمد الدكتور إسلام إلى معالجة هذا الواقع بمخاطبة قطبيه الرجل والمرأة مخاطبة الصديق الناصح الذي يسبر أغوار مرضاه ويطوع نفوسهم لتقبل الآخر ، عبر التعرف عليه عن قرب ، والتوغل في ملامحه الداخلية ماذا يحب وماذا يكره ، ما يسعده وما يؤلمه ، يخاطب القاريء معلنا ومستأذنا بضرورة التفاعل معه بالإشتراك و الإشتباك وبالفعل أيضا ، يطالبه أن يمسك بالقلم معلقا عبر صفحات الكتاب، وهو مااستعد له جيدا من قبل بترك صفحات فارغة بعد كل فصل حتى يخطه قلم القاريء ، فيدفعه دفعا للتفاعل معلقا أو معبرا عن مشاعره ورجع الصدى لما قرأ .
فمنذ لحظة قراءة العنوان ينجذب القاريء انجذابا للمحتوى غير التقليدي ، نرى أنفسنا .. الرجل أو المرأة سيان .. كوحدة انسانية واحدة دون تمييز أو تنمر ، ليطالعنا الكاتب ببساطة وعفوية بتجاربه وتجارب الآخرين بسلاسة في الحكي وبتعليقات مباشرة موجهة إليك أنت .. السيد القاريء .. مما يجعل للقاريء بالفعل اليد الطولى في اتخاذ القرار ، اتخاذ قرار القراءة والإنتهاء والتغيير أيضا .
وقد مزج الكاتب الدكتور إسلام في سرده بين الفصحى الجزلة في بعض الأحيان و الفصحى البسيطة في أحيان أخرى ، رغبة في التعبير الدقيق والممتع في آن واحد ، ومغازلة القاريء العربي بكل مستوياته الثقافية وخاصة فئة الشباب ومن احترف منهم التحدث باللغة العربية والإنجليزية معا ، حيث عنون فصول الكتاب بعناوين باللغة الانجليزية البسيطة التي يعرفها غالبية الشباب وبعض المثقفين إضافة للعربية الرصينة والبسيطة – كما سبق القول – ليجذب قراء اليوم والأمس و المستقبل أيضا، من خلال تحليل العلاقات ، لا تحليل عالم نفس أو اجتماع وإنما تحليل معايش عبر خبرات إنسانية متعددة ليكتسب الكتاب، الذي أراه موسوعة حياتية – رغم أنه يتجاوز المائة بصفحات قليلة – صفة العمومية كصاحب حقيقي كما قال الأقدمون .
نلحظ أيضا أسلوب الكتابة ، اذ يفصل بين كل جملة وأخرى نقطتان وكثيرا ما نجد الصحفيون يكتبون بهذه الطريقة، وقد كتبت بها أيضا بعد أن مارست العمل الصحفي لفترة ، فساعدتني على توصيل المعنى المراد عبر كل جملة، مع تقطيع الجمل بشكل يساعد القاريء على فهم المكتوب ، وفي العمل الإذاعي يعمد المذيع إلى تقطيع الفقرة الواحدة إلى جمل يستطيع قراءتها دون عناء، مما يساعده على توصيل المعني بتوازن ووضوح مع تنظيم أنفاسه أيضا، هنا أرى أن الدكتور إسلام قد أحاط القاريء بهذه الميزة كي يلتقط أنفاسه بدوره ، وأهمس في أذنه ألا ينقاد كثيرا إلى ذلك حتى يتحقق له التواصل اللفظي والأسلوبي والذي أكدت عليه اللغة العربية عبر الضمائر وعلامات الترقيم التي شكلت حصنا حصينا أكسب اللغة جمالا وقدرة على التوضيح والإمتاع
وقد قدم الدكتور إسلام بين جنبات الكتاب وجبة خفيفة للرجل والمرأة ناصحا لهما بالإبتعاد عن الغرور بكل أشكاله واكتشاف ما يسعد الآخر ومحاولة تحقيقه ، إذا ما أراد تأسيس علاقات قوية تتسم بالتفاهم ، فعلى الرجل أن ينظر للمرأة بنظرة الإنسان بعيدا عن النظرة الحسية التي تختصر المرأة في جسد بلا مضمون ، وهو ما يجعله يهتم بشخصيتها ويعمل على كسب ودها ، من خلال بعض الأفعال البسيطة التي تنمي العلاقة بينهما، وتعمل على استمراريتها بإحترام بين الجانبين ، وكذلك على المرأة أن تفعل ذلك ، فالرجل له مشاعر إنسانية عليها أن تكتشفها فتحتويه بعقلها الذكي وروحها الجذابة بعيدا عن الأقنعة المستهلكة
أرى أن الكتاب جاء في وقته ، إذ أن الواقع الإجتماعي بين الرجل والمرأة يتسم بالزيف ومحاولة اقتناص الآخر وليس كسبه، مما ينتج علاقات مضطربة قصيرة الأمد وأسر مفككة وأطفال ممزقين داخليا ، الأمر كما فعل الدكتور إسلام لايتطلب مقولات مباشرة هوجاء وإنما يتطلب ذلك الوعي وتلك التنشئة التثقيفية التي تكتشف الجوهر وتشيد بنيانا متينا بعيدا عن الكذب على أنفسنا وعلى الآخرين .
الكتاب محاولة حقيقة لمواجهة واقعنا بأسلوب هاديء وساخر وفكه، يسخر منا ويوجهنا بغية التغيير وليس الجمود ، وهو ما يذكرنا بكتب ديل كارنيجي وغيره من الكتاب، ولكن بشكل يتناسب مع اليوم ويضع نصب عينيه مجتمعاتنا الشرقية دون إسفاف أو تقعر أو إملاء، فكل منا له شخصيته وله ملامحه، لاينطبق عليه ما ينطبق على الآخر ، فالتجارب الشخصية والحياتية تعطينا تلك الإشارات التي يدركها الجميع بتعددية ثقافية وبيئية مختلفة، كل ما علينا أن نستزيد منها حتى تنضج أفكارنا وخبراتنا وتتضح لنا الرؤية بعيدا عن الغرور المتأصل في جنسنا البشري .