✍️ بقلم الأديب: أحمد رفاعي آدم
“فوبيا” كلمة يونانية الأصل تعني الخوف من الشيء. وإذا كان بعض الأشخاص يعانون من فوبيا الأماكن المرتفعة أو فوبيا الأماكن المغلقة ناهيك عن فوبيا العناكب وفوبيا ركوب الطائرات إلخ .. فإن أغرب أنواع الفوبيا قد يكون “فوبيا التغيير”. ذلك التغيير الذي قد يكون مجرد التخلص من عادة سلبية وقد يكون إقبالاً على هدف جديد وقد يكون ثورةً عارمةً على وضعٍ كئيب مليء بالاخفاقات.
نعم. بعض الأشخاص يخشون التغيير لدرجة مَرَضية ولا يشعرون بالأمان إلا وهم يدورون في فَلَكٍ آمنٍ وفي دوائر مغلقة محددة من قبل. أولئك الذين يُجيدون التعصب للقديم فكل جديدٍ عندهم غريبٌ مثيرٌ للقلق، وكل قديمٍ مريحٌ باعث لكل مصادر السكينة والنعيم. ولذلك قمة الأمان بالنسبة لهم في النمطية والتقليد والتكرار وإن كان مملاً‼️
وإذا كان الأمر كذلك، فماذا قد تكون الأسباب التي تدفعهم إلى ذلك الشعور بالرهبة من التغيير؟ لماذا يخاف بعض الناس من الإقبال على تجارب جديدة؟ ولماذا يصر آخرون على التمسك بأشياء عفى عليها الزمان وأكل الدهر عليها وشرب؟‼️
أولى تلك الأسباب هو الخوف من المجهول! فغالباً ما يكون التغيير في ذاته إقبالاً على مجهول وسيراً وراء غموض. والإنسان بطبعه وفطرته يركنُ إلى المضمون وينفرُ من المبهَم ويعزُّ عليه أن يستبدل بما عنده وإن كان قديماً صَدِئاً أي جديد طالما يقتضيه ذلك أن يغير من حاله أو وضعه أو روتينه.
كذلك قد يرفضُ الإنسانُ التغييرَ لكسلٍ مرَكَّب في شخصيته ولرغبةٍ جامحةٍ عنده في الركون إلى منطقة الراحة. فالجديد يستدعي مزيداً من العمل وكثيراً من التدريب لإتقانه والقبض على نواصيه، وهو ما يحتاج لمزيد جهد وكبير عزم وكثير نشاط وكلها أسباب كافيه ليرفضَه الكُسالى رفضاً قاطعاً ولسان حالهم “ليس في الإمكان أبدع مما كان فذرونا وما عندنا واكفونا شر التغيير!”
وقد يكون اليأس من جدوى التغيير سبباً آخراً خاصةً إذا ما حاول الإنسان الإبحار في محيطات التغيير فصادفته أمواجها العاتية وضربته عواصفها الهوجاء فكسَّرت مجاديفه ومزقت أشرعته وألقت به عُرياناً على شاطئ ال “محلك سر”! فإذا به يفقد الرغبة في المغامرة ويسيطر الإحباط على روحه الفتية فيقعدها ويُقعس طموحها الوثاب، فلا تغيير ولا حركة ولكن جمود وخمول بحجة أن في الآخرين كل البركة فليحاولوا ولنشاهد نحن ونصفق لهم بحرارة!
الأسباب كثيرة .. فما هي الحلول الممكنة وما هو العلاج الذي يمكن أن يشفي مرضى فوبيا التغيير؟!
إن العلاج الناجع رحلة طويلة لا مجرد خطوة يتيمة أولها التوكل على الله وحسن الظن به. يا عزيزي إذا ناداك التغيير لبي النداء ولا تخاف ولا تحزن إن الله معك. ولا تتردد فإن التردد شر ، وتذكر قول الشاعر العربي:
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ .. فإن فساد الرأي أن تترددا
وثاني خطوة هي التخطيط الجيد المدروس مع صدق الأخذ بالأسباب. قبل التحرك صوب الجديد ادرسه جيداً وأمعِن فيه النظر لتعرف مميزاته فتقتنصها وتدرك عيوبه فتتلافاها.
ثالثاً إذا لم يكن من التغيير بدٌ فمن العجز أن تكون جباناً. امضِ إليه بنفسٍ راضية واقبل النتيجة كيفما كانت مع العزم على إعادة المحاولة مرات ومرات دون أن يجد اليأس والإحباط إلى نفسك مسلكاً. وعليك بالقناعة التامة بأن في كل جديدٍ شيء جميل وأن الحياة لا تتوقف عند نقطة كما أن العمر لا ينتظر أحداً.
وأخيراً وليس آخراً الإيمان التام بأن التغيير حقيقة أزلية و سنة كونية فرضها الله على الدنيا، فكل شيءٍ يتغير ويتبدل ويتطور، من صغيرٍ إلى كبير ومن قليلٍ إلى كثير ومن ضعيف إلى قوي والعكس صحيح، يكفي أن نعلم أن الجسم البشري لا يقوى على النشاط ولا يمكن أن يستمر على قيد الحياة بلا عمليات حيوية داخله؛ أهمها دوران الخلية واستبدال الخلايا كل ثانية وقد أظهرت عمليات حسابية أجراها علماء حول العالم أن الجسم يستبدل نحو 330 مليار خلية يومياً، ما يعادل 3.82 مليون كل ثانية. فسبحان الله. وإذا كان التغيير حقيقة الدنيا وديدن الأحياء والأشياء فيها فأنَّى لعاقلٍ أن يبقى محلك سر؟!!