تبدو فكرة العرض المسرحي قائمة الخديج ،بسيطة ومتداولة.هي تتعلق بطريقة التربية الخاطئة التي يتبعها الآباء مع أبنائهم.والتي تعتمد قائمة من اللاءات مايؤدي إلى تشوه شخصية هؤلاء الأبناء وعجزهم النفسي بل والجسدي أحيانا.
الفيصل هنا لكيفية معالجة الفكرة وهو مايحدده خيال صناع العمل وقدرتهم على صياغته بشكل فني جديد ومختلف
هذا مانجح فيه كاتب النص علي جمال مازجا مابين الكوميديا والعبث.مابين التسلية والمتعة الفكرية والفنية في خلطة اتسمت بتوازن المقادير.
،العرض قدمته جمعية كلباء للفنون والمسرح في أول عروض أيام الشارقة المسرحية، التي انطلقت الاثنين الماضي، داخل المسابقة الرسمية, على مسرح قصر الثقافة،.سينوغرافيا وإخراج عبدالرحمن الملا..والخديج تعني المولود الذي لم يكتمل نموه.
ان عدم اكتمال النمو هنا ينسحب على مراحل عمر هذا المولود كافة..حيث سلسلة الأوامر والنواهي التي يتلقاها منذ طفولته وحتى صباه تبقيه على حالة عدم الاكتمال هذه حتى نهاية العمر.شخصية مشوهة وغير قادرة على الفعل واتخاذ قرار يخصها فهناك سلطة الوالدين الغاشمة التي تسير حياة الابن وفق إرادتها لا وفق ارادته.
يبدا العرض بمشهد الطفل جنينا داخل رحم أمه عن طريق إسقاطه من أعلى معلقا في الفضاء وتتكفل الإضاءة هنا بتجسيد هذا اللحظة التي يتحرك فيها داخل الرحم مراقباً تصرفات أمه وأبيه ولهوهما معا.حتى أنه وربما بسبب هذا اللهو والحركة الزائدة يخرج من الرحم على غير إرادته وقبل إكتمال نموه..عدم الاكتمال الذي سيصاحبه حتى النهاية.. وكان المخرج ينبهنا منذ البداية إلى سبب المأساة التي سيعانيها فيما بعد .. وذلك كله في شكل كوميدي عبثي أو مايمكن اعتباره مبالغة يلجأ إليها صناع العمل لتوصيل رسالتهم بنعومة ومن دون خطابية.
حتى الحوار من طرف واحد بين المولود ووالديه قصد إليه كأسلوب سيسم حياته معهما حيث يولد وفي ذهنه قائمة من المطالب أو الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها لكنه يفشل فيها جميعا بسبب سطوة الاب والام..السلطة التي لم يكن له يد في اختيارها..ولاينجح سوى في اختيار اسم دال وهو (انسان) وحتى هذا الاسم مقصود لذاته وكأنه ينسحب على كل طفل يولد لأبوين متسلطين لايتيحان فرصة واحدة لابنهما لإتخاذ قراره مايترتب عليه فشله حتى في علاقته الزوجية وعدم قدرته على الإنجاب.. إنها مأساة كل من يقع تحت وطأة سلطة غاشمة لم يكن له يد في اختيارها.
لم تكن الكلمة وحدها هي قوام هذا العرض..لعبت الحركة والإضاءة وتلك العلامات التي نثرها المخرج هنا وهناك دورا مهما في بناء العرض وطرح أسئلته بخاصة مشهد تجسيد لحظة اللقاء الحميم بين الابن وزوجته ورحيل الزوجة يعد فشله في منحها حقوقها الزوجية.. وربما لو انتهى العرض عند هذا المشهد لاحتفظ بنفس المنهج الذي اتبعه منذ البداية والمعتمد على العلامات والضربات السريعة والمتلاحقة..فعند هذا المشهد نكون الرسالة قد اكتملت.لكن يبدو أن صناع العمل أرادوا الوصول إلى الجمهور العام والتأكيد على رسالتهم الناعمة أساسا عبر المقولة المباشرة التي لوصيغت بنفس المنهج المتبع منذ البداية لوصلت الرسالة كاملة وغير منقوصة.
على أية حال فقد جاء العرض في صيغة ممتعة قائمة على الصورة التي صيغت برهافة باستثناء بعض اللحظات القليلة التي ارتبكت فيها الإضاءة وهو أمر يلاحظه اكثر المتخصصون لاالجمهور العام.
ثلاثة ممثلين أساسيين لعبوا أدوار الإبن والام والاب..محمد جمعة في دور الابن ممثل موهوب يمتلك حضوراً طيباً وخفة ظل من دون افتعال وقدرة واضحة على تطويع جسده وفهما جيدا لطبيعة الشخصية من ناحية وطبيعة النص من ناحية أخرى..وفي دور الأم عبير الجسمي وهي ممثلة موهوبة وصاحبة حضور على الخشبة..وعادل سببت في دور الأب وهو ممثل كوميدي ساعدته مواصفاته الجسدية التي استخدمها يشكل جيد على أداء الدور بوعي وخفة ظل . وهناك كذلك ساميه تاسفاروت وغريبة القايدي وجاسم المراشدة وعمر مبارك وسعيد عبدالله.
العرض إضاءة خالد بشير ديكور عيسى مراد أزياء عبير الجاسمي..مساعد مخرج يوسف المغني.. تأليف علي جمال إخراج عبدالرحمن الملا.