بالتزامن مع أداء ملايين المسلمين لفريضة الحج نتذكر قصة رحلة الحجر الأسود وصولا للكعبة المشرفة ووضعه في مكانه الحالي فالحجر الأسود له مكانة خاصة و هو موضع إجلال و تعظيم للمسلمين.
يتكون الحجر الأسود أو الأسعد من عدة أجزاء، وهو بيضاوي الشكل أسود اللون قطره ٣٠ سم يوجد في الركن الجنوبي الشرقي للكعبة المشرفة، وهو نقطة بداية طواف المعتمرين و الحجيج و منتهاه، محاط به إطار من الفضة الخالصة صونًا له، كما يتسابق المسلمون لتقبيله كما ورد عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
ويذكر أن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما أتم بناء الكعبة المشرفة كان ينقص مكان الحجر الأسود فجاء جبريل عليه السلام بالحجر فوضعه في مكانه كما أمره الله، وعلى مر التاريخ قدست العرب رحلات الحج، وكان للحجر الأسود مكانه كبيرة عندهم و حافظ عليه سدنه الكعبة المشرفة، وقبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في الخامسة و الثلاثين من عمره أرادت قريش إعادة بناء الكعبة المشرفة ورفع الحجر الأسود إلى مكانه بعد سقوطه من موضعه بالكعبة المشرفة و ابتعاده عنها ولأهمية الحجر عندهم كادت الحرب أن تنشب بينهم لتأخذ كل قبيلة شرف وضع الحجر الأسود مكانه بجدار الكعبة و توصلوا إلى أن يحتكموا إلى أول من يدخل عليهم ويشير عليهم بمن يضع الحجر في مكانه، فدخل عليهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من باب الصفا فلما رأوه قالوا هذا الصادق الأمين رضينا بحكمه فقال رسول الله هلم إلى بثوب فحمل الحجر ووضعه بيده داخل الثوب وأشار عليهم أن تمسك كل قبيلة بطرف الثوب و حملوه إلى جوار الكعبة المشرفة ثم تناوله رسول الله بيده الشريفه ووضعه في مكانه.
وفي الأثر الشريف أن عند الحجر الأسود تجاب الدعوات فقد روي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، استقبل الحجر ثم قبله وهو يبكي ثم التفت إلى سيدنا عمر بن الخطاب و قال ياعمر هاهنا تسكب العبرات.
ويسن عند الطواف بالكعبة المشرفة أن يستلم الحجر الأسود المعتمر و الحاج بلمسه بيده و يقبله فإن لم يستطع استلمه بشيء بيده أو بالإشارة أيضا بيده و يقول (بسم الله و الله أكبر ) ،، كما روي عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ، و الله ليبعثنه الله يوم القيامة له عينان يبصر بهما و لسان ينطق به ليشهد علي من استلمه بحق.
،
وقد روي عن سيدنا عمر بن الخطاب أنه كان يقبل الحجر و يقول ، إني لأعلم أنك حجر لا تضر و لا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك ، وروى الحافظ ابن حجر عن الطبري أن سيدنا عمر إنما قال ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام و خشي عمر رضي الله عنه أن يظن الجهلاء بالإسلام أن استلام الحجر تعظيم لبعض الأحجار أو عبادتها كما يزعمون ،، و كما كان يفعل العرب قبل الإسلام ،، فأراد عمر أن يعلم الناس أن استلام الحجر و تقبيله إتباع لسنة رسول الله ولأن الحجر لا يضر و لا ينفع لذاته ،، و يعتبر السلام على الحجر تجديد عهد مع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم و على ديانة الإسلام و توحيد الله و الالتزام بسنته الشريفة.
وعلي مر التاريخ تعرض الحجر الأسود للعديد من المخاطر لسرقته وكان أعنفها عندما دخل القرامطة ، وهم قوم أعلنوا الإلحاد و أرادوا اخذ الحجر و المقام و بناء كعبة جديدة في بلادهم لينتفعوا بأموال زيارتها من القادمين إليها للزيارة ،، فقدم القرامطة يقودهم أبو الطاهر القرمطي وهو سكران علي فرسه و ضرب الحجر بيده و و اقتلع الحجر جعفر بن أبي علاج وهو بناء بمكة و أقام القرمطيون بمكة 11 يومًا واقتلعوا الحجر و أرادوا ان يأخذوا معهم المقام و لكن سدنة الكعبة المشرفة حافظوا عليه، و تسبب القرامطة في قتل الحجيج و المتواجدين و المدافعين عن الكعبة ،، ثم حملوا الحجر على 40 جملًا وهذا لأن كل جمل يحمله يصاب بنزيف دماء ظاهر في سنمه و تقيح شديد فينقل إلى جمل آخر حتى و صل العدد إلى ٤٠ جملا و ذهبوا إلى بلادهم و معهم الحجر الأسود و اموال الحجيج وأبقوه عندهم ٢٢ عاما ،، وفي عهد الخليفة المقتدر عرض على القرامطة ٣٠ ألف دينار ووافق القرامطة علي تسليم الحجر للخليفة المقتدر ليوضع في مكانه فقال المقتدر لعلنا أحضرنا حجرًا أسودًا من البرية ،، فسكت الناس و كان فيهم ، عبد الله بن عكيم ، فقال لنا في الحجر الأسود علامة فقال إنه يطفوا على الماء بخلاف بقية الأحجار و الحجر لا يسخن بالنار فوضعوه في طست ماء فطفى الحجر ثم أوقفوا عليه النار فلم يسخن فمد عبد الله بن عكيم يده وأخذه و قبله و قال أشهد أنه الحجر الأسود و عند العوده به إلى مكة المكرمة حمله جمل واحد فقط دون أن يضره شيء.
وذات مرة سقط الحجر و كسر إلى ١٥ قطعة و كأن الله عز و جل يخبر الناس أنه حجر لا يضر و لا ينفع فجمعت القطع على نفس هيئتها ثم الخليفة صنع هارون الرشيدي له غطاء من الفضة وهو على نفس الهيئة إلى يومنا هذا مع رعايته و تعطيره و الاهتمام بغلاف الفضة و تجديده.