مما لاشك فيه أن السعادة تغمر الناقد الفنى عندما يتضح أن حكمه صحيح وأن آراءه فى إبداع فنان تأتى سديدة أو إكتشافه للموهبة ومواطن التميز فيه ثم تأتى الفرصة لتظهر بوضوح هذا ماحدث معى عندما أستمعت للإبدع الموسيقى للفنان شادى مؤنس فى رائعة المؤلف الكبيرعبد الرحيم كمال “جزيرة غمام” التى أرى أن الموسيقى التصويرية والألحان الغنائية تتساوى فى القيمة الفنية مع العمل نفسه ..وشادى كتبت عنه فى ابريل 2019عندما حضرت له حفلة مع فرقته فى المسرح الصغير بدار الأوبرا وكان مشارك فيها الفنان على الحجار وكتبت مقال نقدى كبير عن الحفل بعنوان (على الحجار يتألق فى ألحان شادى مؤنس مع فرقة حكايات بالأوبرا) وقلت عنه “الفنان الموهوب شادى مؤنس والذى عشنا مع ألحانه على مدى ساعتين أكدت أنه من نجوم المستقبل الواعدين الذين سوف تكون لهم بصمة في مجال الموسيقى”.. وفى موضع اخر من المقال كتبت “أكد مؤنس انه يمتلك ميلوديات طربية وليس فقط يعتمد على اللحن البسيط والجمله القصيرة المصاحبة للكلمات والتى تنتشر في معظم الفرق” ..وكتبت بالتفصيل حيثيات هذا الحكم وناشدت وزيرة الثقافة فى ختام المقال ان يتم احتضان هذه الفرقة ووضعهم على خريطة السفر للخارج ليمثلوا مصر.
شادى مؤنس مهندس بترول عشق الموسيقى منذ الصغر وكان يعزف على آلة البيانو ثم أتجه لدراسة العود على يد الفنان نصير شمة في بيت العود بالقاهرة وكان من مؤسسى فرقة أسكندريلا مع حازم شاهين عام 2005 ثم تركها ليكون فرقته الخاصة “حكايات” عام 2009 وهذا الحفل الذى كتبت عنه كان جاء تتويجا لمرور عشر سنوات على الفرقة وبمناسبة صدور ألبومه بعنوان “تفرانيل “..بعد ذلك اتجه للموسيقى التصويرية عام 2020فى مسلسلى “جمع سالم” و”الفتوة”..
ونعود لموسيقى جزيرة غمام حيث أعادت لنا أمجاد المسلسلات الصعيدية وألحان الشريعى وياسر عبد الرحمن وهذا لايعنى أنه يقلد أحد منهما ولكن كما سوف يتضح فى السطور التالية ان شادى كما سبق ان ذكرت يمتلك موهبة كبيرة فى مجال إبداع الألحان ونجده درس جيدا النص وأجتهد فجاء عملا متقنا من الناحية الموسيقية عبر عن الأحداث الدرامية وقدم نفسه لهذا النوع بشكل جيد ونبدأمن المقدمة “غطى الغمام على الجزيرة”التى جاءت غنائية أعتمد فيها على الكورال الرجالى مع صوت على الحجار الذى له تجارب ناجحة فى هذا النوع مع الشريعى فى الرحايا ووشيخ العرب همام وحدائق الشيطان ولهذا قدم اغنية االتتر”البحر طرحه عكار..وقف ع المى ماجراشى” بخبرته االسابقة وكان هذا واضحا فى اللهجة وإتصال الجملة اللحنية بالكلمة مثل عندما شدا “ياناس جلوبكم حجر ولا أنتم من غير جلب” وساعده الكورال واللحن المبدع لشادى والكلمة الشاعرة السلسة والجديدة فى شعر العامية للشاعر الكبير إبراهيم عبد الفتاح قى أداء طيب ويكمن جمال التتر فى التنوع بين الصوت البشرى الجماعى متمثلا فى الكورال الرجالى والصوت المنفرد ولكن أعطى الغلبة للموسيقى المعتمدة على الإيقاع والمزمار الصعيدى بحرفية تجعلنى أتوقع أن هذا التتر سوف ينتشر عى مستوى الموسسقى الصعيدية الشعبية كما حدث فى تتر مسلسل الضوء الشارد الذى يعزفه عازفو الموسقى فى الشوارع والمناسبات الصعيدية أما التتر الختامى كان من الذكاء ان جعله للموسيقى البحتة من خلال اوركسترا للوتريات فيها صوت بارز وايضا آلات النفخ وخلفية ايقاعية بشكل متواتر يعبر عن نهاية العمل الدرامية التى تؤكد ان التاريخ يعيد نفسه ولأن تتر البداية عبر عن الأحداث أعاده المخرج فى ختام الحلقة الأخيرة حيث جعله خلفية لمشاهد من الحلقات تمثل ملخصا لأحداث المسلسل ثم تواصل معه تتر النهاية مؤكدين المعنى الرمزى الذى يقصده المؤلف ..وبين البداية والنهاية تأتى الموسيقى التصويرية داخل الحلقات والذى اعتمد شادى فى معظمها على العزف المنفرد من آلة واحدة مثل العود والقانون والناى وأحيانا احدى هذه الآلات مع الإيقاع المعبر عن الحدث مثل لحظة اكتشاف جثة سندس استعمل العزف على الدفوف بصيغة الندب مع الناى الحزين ولأن الحلقات بها مايمثل غجر الصعيد نجد من خلال حفلاتهم تم تقديم الموال الغنائى من المطربات الشعبيات بمصاحبة الكورس النسائى والدفوف بالإضافة لأغانى الفرح منها اغنية “عند السواقى ياما لقيت حبيبى” فى الحلقة العاشرة كما تتضمن العمل رباعيات من تأليف مؤلف العمل عبد الرحيم كمال مثل رباعية “مفيش ورا باب الخيال أهوال “وايضا رباعية”انت حى ولك امل ومعاك دليل” وظهرت فيهما براعة شادى فى التلحين للصوت البشرى حيث أعتمد فيها على صوت على الحجار منفردابمصاحبة موسيقية من آلات منفردة جاءت كخلفية فقط وهذه ليست جديدة على شادى اتضحت فى عدد من أغانيه الخاصة المنفردة التى سبق ان اداها مع فرقته بصوت منفرد او بمصاحبة على آلة العود التى يجيد العزف عليها كما أستطاع مؤنس ان ينجح فى اختيار التيمات المشهورة ضمن نسيج لحنى وهذا أعطى ثراءكما فى غناء “يلى فى جمالك فريدة “اكما نجد بعض النغمات ترتبط بالشخصية حين ظهورها مثل إيقاع الدفوف الذى يصبح خلفية للعايقة ونجد كلام الشيخ يصاحبه عزف منفرد خفيف على العودالذى أستخدمه كثيرا ولكن بألحان مختلفة وبطرق عزف أيضا متنوعة ونجد أيضا الناى يصاحب فى مواضع كثيرة كلام الشيخ عرفات
واخيرا لاننكر أن العمل دراميا ليس مفاجأة لأن كاتبه مميز وصاحب فكر وله تاريخ طويل فى الدراما وأيضا المخرج حسين المنباوى صاحب عدد كبير من المسلسلات الناجحة ولكن الجديد الإبداع الموسيقى الذى تناسب مع الأحداث واضاف للعمل ثراء فوق ثرائه وكان من أسباب نجاح هذه الملحمة الأنسانية التى أعتقد سوف تصبح من الأعمال الخالدة فى الدراما المصرية.