✍️ بقلم: أحمد رفاعي آدم (أديب وروائي)
لقد ابتُلي مجتمعُنا في الآونةِ الأخيرةِ بظاهرةٍ عجيبةٍ تستدعي التوقف عندها طويلاً والتساؤل عن الأسباب التي ساعدت في انتشارها بله تواجدها، لا سيما أنها باتت ملحوظةً للجميع لا ينكرها إلا أعمى بصر وبصيرة، ألا وهي ظاهرة انتشار السلوكيات الخاطئة بسرعة تفوق سرعة انتشار النار في الهشيم.
نحن جميعًا نعلم أن الأفكار الجديدة يمكنها أن تنتشر بالسهولة المذهلة نفسها التي يتفشى بها الفيروس، ولا شك أن الأفكار يمكن أن تكون معدية بالطريقة نفسها تمامًا التي تنتقل بها عدوى فيروس ما.
لكن المثير للفضول والحنق في آنٍ هو ذلك السبب الغامض الذي يجعل انتشار تلك السلوكيات السلبية والمواد التافهة والأفعال المجنونة أسرع بكثير من انتشار السلوكيات الإيجابية والعلوم الهادفة. الخطيرُ في الأمر أنها لم تعد مجرد ظاهرة فردية تَسهُل مجابهتها لكنها أضحت ظاهرة جماعية الكل متورط فيها بلا استثناء خاصةً في زمن الإنترنت.
وحين يناقش علم الاجتماع قضية انتشار (السلوك) فإنه يتعامل معه على أنه (عدوى) تنتقل من فرد إلى آخر، ويمكن تصنيفها إلى عدوى بسيطة سهلة الانتشار كالأمراض والمعلومات، وعدوى مُعقدة تحتاج لمزيد وقت وجهد لتنتشر كالقراءة مثلاً. ربما يعني ذلك أن السلوك الخاطئ هو في حد ذاته مرضٌ مؤذٍ له نفس خصائص وأعراض وتداعيات المرض الحقيقي. ولما لا والنتيجة واحدة؟! فإذا تسبب المرض في ألم الجسد وتعطيل حركته أو شلله بل وربما موته، فكذلك تفعل أمراض السلوك والعادات الخاطئة فهي تفتك بالمجتمع وتصيبه بالشلل الذي قد يؤدي بدوره إلى فنائه. وإذا فهمنا ذلك كان لِزاماً علينا أن نَجِدَّ في البحث عن العلاجات اللازمة للقضاء عليه.
وتصنيف العدوى إلى بسيطة ومُعقدة يوحي إلينا بحقيقتين غاية في الخطورة والأهمية، مفادُ الأولى منهما أن مقاومة السلوكيات الخاطئة تتطلب جهدًا كبيراً ومتواصلاً لا ينفع معه يأس أو استسلام وهو ما يجب أن يؤمن به كل مُربٍ ومسئول، أما الحقيقة الثانية فمضمونها أن فرصتنا لمقاومة السلوكيات الخاطئة تكمن في بناء حائط صد يكون سبباً في تحويل أي سلوك سلبي جديد إلى (عدوى مُعقدة) يصعب نفاذها وانتشارها في المجتمع. كيف ذلك؟
باختصار شديد .. يجب علينا أن نجتهد في إبراز عيوب ومخاطر السلوكيات الخاطئة باستمرار وبإصرار منقطع النظير وتلك مهمتنا جميعاً، فإن اللحظة التي يعلن فيها المجتمع استسلامه وقبوله لذلك السلوك هي بداية إصابته بالمرض الذي يمكن أن يودي بحياة أفراده واستقرارهم. ثانياً: من المهم جداً جداً ألا تحظى السلوكيات السلبية وما على شاكلتها من مواهب فاشلة واهتمامات تافهة وقضايا فارغة بأدنى شرعية أو مصداقية، فكل سلوك أو فكرة جديدة تتطلب شرعيةً أو مصداقيةً أو تكاملاً حتى يتبناها الناس. وذلك يحدث بالفعل في كثير من الأحيان وخصوصاً بعدما أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءً أساسياً من عالمنا بل وفرضت نفسها بقوة على مسار حياتنا. الآن بات من السهل جداً أن يحصل أي عمل تافه أو سلوك مُشين على المصداقية التي تجعله ينتشر في وقت قصير فقط بمجرد قبول مشاهدته على مواقع التواصل الاجتماعي. فلننتبه جيداً وليطَّلِعْ كلٌ منا بدوره فالأمر جد خطير. ونستكمل الحديث في مقال آخر.