✍ تقرير – د.خالد محسن
أحمد رفاعي آدم موهبة أدبية شابة، ومشروع لكاتب روائي واعد يمتلك ناصية الحروف ويجيد تشكيل وبناء الجمل وصياغة المعاني، وتوظيف المترادفات، ويعمل معلما بإحدي مدارس الإسماعيلية.
يجمع أسلوبه الأدبي مابين الجزالة والعمق والبساطة وواقعية الطرح ، وتلك المعادلة الصعبة في عوالم الكتابة الأدبية.
درس أحمد أسس الكتابة الإبداعية بالولايات المتحدة الأمريكية ، وصدر له مجموعة قصصية بعنوان (مغترب مع سبق الاصرار) عن دار نشر “كتبنا” وانتهي مؤخرا من كتابة روايته الأولى، والتي تحمل عنوان ( الحرزاوية – ملحمة الأرض والعِرض) وفي إنتظار النشر ، كما كتب عدة مقالات نُشر بعضها بمجلة الأزهر وجريدة الجسر، ويؤدي واجبه كمعلم بإحدي مدراس الإسماعيليه.
كما حصل على المركز الثاني في مسابقة قصص على الهواء والتي تنظمها مجلة العربي الكويتية بالتعاون مع إذاعة مونت كارلو الدولية.
وفي مجموعته القصصية( مغترب مع سبق الإصرار) يرصد أحمد آدم مفهوما شاملا للغربة والإغتراب، بروافده المتعدده، وحصاده المر، من خلال تجربة ذاتية، ويدعو الشباب لمغادرة حالات اليأس والإندماج التعايش الإيجابي مع المجتمع والإشتباك مع الحياة بحلوها ومرها والتفاعل مع محيطه، والإصرار علي النجاح وسط كافة الظروف والمتغيرات.
والإنطباع الأول لسطوره الأديب الشاب يقودنا سريعا لفكرة الأدب القيمي الهادف ، الذي يوصف أمراض الواقع وإشكاليات الحياة وخبايا النفس وصراعها المستمر مع قيم الحق والعدل والجمال.
يقول أحمد رفاعي : ما بين القصة والنثر والشعر والنكتة وحتى الكاريكاتور تقلَّبت الغربةُ و الاغترابُ على كلِّ الوجوه ووفق كل الآراء والأهواء، فما بين مدحٍ وذم، وترغيب وترهيب تعدد التناول وتباين الطرح، و قيل في “الغُربةِ” كثير، لكن أبلغَ ما قيل – في نظري – ذلك المثل الدارج “الغُربة كُربة”، وعلى هذا الأساس بنيت مجموعتي القصصية “مغترب مع سبق الإصرار”.
كيف لا والحياة نفسها “غربة”، جئناها عابرين لا مقيمين، فهي بوصف النبي صلى الله عليه و سلم شجرة في فلاة يستظل المسافرُ تحتها ثم لا يلبث أن يتركها ويرحل! وإذا كانت الحياة غربة فكل ما فيها يدعو للإغتراب، ولذلك تعددت دواعي الغربة وأشكالها، فشملت غربة الجسد والنفس والروح والذات!!
ويضيف آدم : وأولُ الغُرْباتِ غربةُ البدن حيث ينتقل المرءُ بكله وكليله إلى مكانٍ بعيد يهجر فيه وطنَه وأرضَه وأهلَه، وتلك أوضح صورة للغربة يسهل الاستشهاد بها، ولذلك كانت أُولى القصص “مغترب مع سبق الاصرار” صورة حية لواقع معظم الشباب، لواقعٍ عشته بنفسي فَورَ تخرُجي الدراسي حين قضيتُ قرابةَ السبع سنوات في الغربة ما بين دول الخليج وأوروبا وإنتهاءً بأمريكا قبل أن أحُطَّ الرحالَ في موطني الحبيب مصر.
ويؤكد أن القصة مثَّلتْ إنعكاساً واقعياً لمرارة قرار الاغتراب في حلق المسافر ومحبيه، وقسوة الفراق مهما قَصُرَ ،وأثره الآني والمستقبلي، فأي الأرباح تغني أماً عن ضناها؟ وأي مكسب يجنيه إنسانٌ إذا فقد الأنس بأهله وأحبابه؟
وهذا ما عَكَسَتْه ألفاظُ القصة “أنا المسئول، أنا الغريب، أنا الخائف”. ويقينيأن الاغترابَّ لا يكون بالجسد فقط، فهناك غربة الروح وغربة النفس وغربة الضمير وغربة العقل وغربة الأخلاق، فهي ليست غربة واحدة وإنما غربات ،وتلك كانت قواعد وأركان المجموعة القصصية “مغترب مع سبق الاصرار، حيث تناوَلَتْ كلُّ قُصةٍ جانباً من جوانب الاغتراب فألقَتْ عليه الضوءَ ومثَّلَتْهُ بأريحيةٍ ومنطقيةٍ لا ينكرُها مُدركٌ حكيم ،فسوء الخُلُق غربة عن الحق والعدل، غربةٌ يكثرُ فيها الظلم والأذى، وتسيطر فيها على النفس شهوات الشر ودوافع العنف وفقدان الذات.
وتعاطي المخدرات غربةٌ مُرَةٌ للعقل الذي هو أسمى ما وُهِبَ الانسان، وأرقى ما وُصِفَ به، فالمدمن حاضرٌ غائب، إذا حضر بجسده فكيانه غير موجود وحكمته مفقوده واتزانه النفسي سراب ، والواقع يؤكد لنا أن أحلام ونجاحات المدمن وهم وأفعاله ماهي إلا خراب في خراب.
ويشير أحمد آدم أيضا إلي أن ضمير المشلول والذمة المخرومة غُربَة فيها تُستَباحُ الرِشوة ويُقَنَّنُ الحرام، يوم يغترب الضمير فلا نجاح ولا فلاح، فقط فساد أسود يعشش فوق هامات الطُموح وعراقيلٌ حُبلى بمزيدٍ من أسباب الفشل واليأس!
وهناك غُربة العُزلة الأسرية، تلك العزلة القاسية التي خلَّفها الاستعمار الإلكتروني، فترك أفراد الأسرة الواحدة أجانب تحت سقفٍ واحد، وصنع بينهم حواجز من العالم الإفتراضي، ونتج عن ذلك –شئنا أم أبينا- غُربة طويلة بين الأجيال، فاتسعت الفجوة بين الآباء والأبناء، وتعمَّقت الهُوَّة بين الأساتذة والتلاميذ.!!
و الكتاب بالفعل وفقا لرؤية الأديب صيحةٌ قوية ونَفضَةٌ مُرَجْرِجَة للمجتمع ليفيق من غفوته التي طالت ويلتفت لدوره الذي كاد ينمحي بفعل الغربة والاغتراب والتغريب، فكل قصة نفخة في بوق الضمير الإنساني، ذلك البوق الذي سَكَنَه الصدأ وأكلتْهُ “البارومة”، وما لم يُجدَّد و تُعاد صيانته ليمارس وظيفته بإتقان فقل على الدنيا السلام!
كفانا غُربة وعُزلة وأنانية، ولنفتش في أيامنا وذواتنا وعلاقاتنا وأركان حياتنا عن السكن والسكينة والاستقرار لكي نعيش في مجتمعنا مُطْمَئنين مُطَمْئِنين لا ضالين ولا مُضلين.