بقلم الأديب الروائي ✍️ أحمد رفاعي آدم
مع اقتراب العام الدراسي الجديد ومع حرص كلِّ مصري أصيل على أن يكون عاماً دراسياً سعيداً يجب أن نقف لحظةً متفكرين ومتدبرين: كيف يكون العام الدراسي سعيداً بحق؟ وما الذي يجعله مثمراً بالدرجة التي يصير بها أهلاً للاحتفاء والترحيب به؟ هل هي مجرد ألفاظ مكررة باتت من فَرَطِ ما أَلِفناها تمر على الأذن مرور الصمت الموحش؟ أم هي كلمات حيَّة لبيانها سحرٌ أخَّاذ ولحروفها إشعاعٌ يبلغ بمعناها المدى؟ ولأن مصر الآن تقفُ على أعتابِ عامٍ دراسيٍ جديدٍ، وجب علينا الكتابة في هذا الموضوع على سبيل الذكرى، والذكرى تنفعُ المؤمنين.
بدايةً، لا شك أن العلم نورٌ يشق ظلام الجهل ويطردُ بضيائه عتمةَ التخلف شريطةَ أن يجد البيئة الصالحة لانبعاثه والمُحفِّزة لسطوعه وانتشاره، أما إذا وُجِدَ العلمُ في جوٍ قاتمٍ تتضافر فيه الجهود لتعمل ضد مصلحته فحتماً ولابد سينطفئ نوره فلا يبقى منه ولو بصيص! وفي هذا المقال نود الإجابة على مجموعة من الأسئلة نرجو بها ضمان حسن السير نحو عامٍ دراسيٍ سعيد. وأول تلك الأسئلة وربما أولاها بالسؤال وبالإجابة هو: لماذا العلم؟ لماذا ذلك السعي الدؤوب من أمم الأرض نحو تحصيل العلم ورفع كفاءة وجودة التعليم؟ ما الذي يجعل ملف التعليم –ليس في مصر فحسب بل في العالم أجمع – من أهم الملفات التي تتطلب معالجةً دقيقةً وواقعية؟ والإجابة عن هذا التساؤل تتلخص في كلماتٍ ثلاث هي “العلم طوق النجاة!”. نعم .. ففي ظل الصراع العالمي نحو الصدارة وفي غمرة ذلك السباق المحموم لقيادة العالم يبقى العلمُ هو الحصن المتين الذي لا يُخترقُ بسهولة، وهو طوقُ النجاة الأوحد وفرصة الإنقاذ الأخيرة. لماذا؟
لأن الحقيقة التي لا مِراء فيها تؤكدُ أن بناء الحضارات لا يتم إلا بعقولٍ مستنيرة وسواعدٍ قوية ونفوسٍ سوية، إذ لا عودة إلى طريق الحضارة إلا بالعلم، وليس أي مستوى من العلم، إنما العلمُ الغزير الذي يخلقُ إنساناً واعياً قويَّ الحُجة واسعَ الفهم سريعَ الإدراك ومبدعاً للحلول. حين يتخرجُ لدينا جيلٌ متسلحٌ بالعلم ستُحَلُّ معظم مسكلاتنا من جذورها. بالعلم سيرقى المجتمع وينصلح حال أفراده وتتحسن أخلاقهم ويعظمُ إنتاجهم. العلمُ هو ما سيحمي الأجيال من السقوط والتخاذل حيثُ تصيرُ معارفه وعلومه دروعاً واقيةً ضد صدمات الحياة ومشكلاتها التي لا تنتهي. العلمُ هو الضمان الأول لحفظ عقول شبابنا ضد تيارات التغريب والعولمة الضارة وضد شبهات الإرهاب الذي يهدد وطننا ليلاً ونهاراً. باختصار، لا سبيل لنهضةِ الأمة إلا بسواعد جيلٍ قويٍ علمياً وبدنياً ونفسياً، فكم من طاقاتٍ تُهدَر وكم من أوقاتٍ تضيع سدًى وكم من أعمارٍ تنقضي هدراً في توافه الأمور وكم من عقولٍ لوثتها معارف وثقافات خارجية مسمومة، ولسوف نُسألُ عن ذلك أمام الذي يعلمُ السرَّ وأخفى.
هذا كلامُ حسنٌ، وكلنا نتفق عليه، فأين تكمنُ المشكلةُ إذن؟!
في رأيي ليست المشكلة في ذات العلم وإنما في “تحصيل ذلك العلم”. لا شك أن تحصيل العلم يحتاجُ إلى جديةٍ واجتهاد وإلى صدقٍ وإخلاص، فلا هو يتحقق باللعب واللهو، ولا بالخيال والتقليد الأعمى لما في أيدي غيرنا، ولا هو يُوَرَّثُ عن الآباء والأعمام، إنما يتحقق العلم باقتحام المخاطر واحتضان الدفاتر واصطحاب المحابر. لا سبيل إلى المنفعة الحقيقية من العلم إلا بالجدية والإخلاص في طلبه. ألا ما أكثرُ الكُسالى والمسوفين الذين لا يتعلمون مما أثَّرَ على مستوى التعليم بالسلب والتراجع. فما العمل؟
أبناؤنا يا سادة في حاجةٍ ماسةٍ لمن يضبط لهم ميزان الأولويات ويرتب معهم الواجبات والمسئوليات ويعيد تنظيم جدول حياتهم. عليهم أن يُدركوا منذ نعومة أظفارهم أنَّ طلبَ العلمِ والاجتهاد في تحصيله يقع في قمة هرم الأولويات، فبالعلمِ يحوزون مكانهم ويرفعون مكانتهم بين البشر. كم يحزنني –كمعلم – أن ألمح التشتت في شخصيات الطلاب وأن ألمس الارتباك في قراراتهم، حتى يكاد تعامل غالبيتهم يبلغُ حد اللامبالاة واللامسئولية! إنهم كالتائهين في بحر الحياة رجاؤهم طوقٌ للنجاة، ولا نجاة لهم إلا بحسن تحصيل العلم ليتثقفوا ويضبطوا أفكارهم ويرتقوا بأخلاقهم ويتقنوا المعارف التي تطور مهاراتهم وتزيد إمكاناتهم فيُحسنوا استغلالها في رحلة الحياة الشاقة. لا تنتظروا أن ينصلحَ حالُ الكون وأنتم في مطارحكم، ولكن خذوا ما عندكم بقوةٍ وعَلِّموا أبناءكم أن يأخذوا العلم بجدية وليطرحوا توافه الأمورِ جانباً فإن العمر يمضي إلى الأمام ولا يرجع إلى الوراء!
مصر بلد عظيم يستحق مجهود كل أبنائه، ويا حبذا لو أتى الجهد من عظماء!