بقلم:
محمد عبد العزيز الشملول
إمام وخطيب مسجد البديع بأكتوبر
حدثنا القرآن الكريم عن رسول من رسل الله،أرسله الله إلى قوم كانوا يرتكبون فواحش كثيرة،من أسوأها وأشنعها وأقبحها فاحشة إتيان الرجال شهوة من دون النساء،ولم تكن هذه الفاحشة موجودة في من كان قبلهم!
هذه الفاحشة التي عرفت فيما بعد باسم (اللواط).ويعبر عنها فى هذا العصر باسم (الشذوذ الجنسي).
ولوط اسم رسول من رسل الله،وهو علم أعجمي غير عربي مثل نوح وإبراهيم وإسماعيل.
أما “اللواط” كلمة عربية مشتقة تدل على اللصوق ،يقال لاط الشئ بقلبي أي لصق بقلبي.
خطورة الانحراف السلوكي:-
لم يبدأ لوط-عليه السلام-دعوته بالعبادة والتوحيد كما يبدأ بها كل نبي ورسول قال تعالى:-(ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره).
بدأ لوط -عليه السلام-دعوته مع قومه الشاذين المنحرفين بداية خاصة،وهي ترك الفاحشة التي يرتكبونها ،قال تعالى :(ولوطا إذ قال أتأتون الفاحشة ماسبقكم بها من أحد من العالمين{80}إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون{81}).الأعراف.
والسر فى فى هذه البداية هو الانحراف الذي حصل عند هؤلاء القوم،وهو الانحراف السلوكي.
كان الانحراف عند الأقوام الأخرين انحرافًا فكريًا تصوريًا عقليًا،حيث كانوا يعبدون الأصنام والأوثان.
فكان كل رسول يبدأ بمعالجة هذا الانحراف الفكري العقلي عند قومه ،لتصحوا عقولهم،وتوحد خالقهم،وبعد ذلك يأمرهم بالتوجيهات الأخلاقية والأحكام التشريعية.
أما قوم لوط كان انحرافهم سلوكيًا ،وجد عندهم ممارسات شاذة ،وإغراقًا فى الشهوة،فى كيفية تتنافى مع الفطرة الإنسانية،وما فعل قوم مثل فعلهم.
فكيف يبدأ مع هؤلاء القوم المنحرفين الشاذين بالدعوة إلى عبادة الله؟
هذا الشذوذ بدأ قليلاً فيهم،ثم انتشر فى المجتمع ،وأصبح يجاهر به فى النوادي شيئًا فشيئًا ً،حتى أصبح ظاهرة عامة ،لم يسلم منها إلا القليل.
وياليت الأمر توقف على ذلك،بل أصبح المجتمع يواجه تبعات الشذوذ، ومخاطر تترتب عليه،قال تعالى:(ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ماسبقكم بها من أحد من العالمين {21}أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر..).العنكبوت.
جرائم وأخطار مرتبطة بالفاحشة الشاذة:-
أولًا..كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء.
ثانيًا…كانوا يقطعون السبيل طلبًا لشذوذهم،فيجلسون على الطريق ليفجروا بمن يمر بهم من الرجال(حالات اغتصاب)
ثالثًا…كانوا يأتون فى ناديهم المنكر ،وهو الممارسات القبيحة (انعدام الحياء)،وهذا ما أنكره عليهم لوط-عليه السلام-فى موضع آخر( أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون)
وهذه أخطر النتائج التي يترتب عليه غضب الجبار جل فى علاه.
خطورة المجاهرة:
إن الإنسان قد ينحرف ،وقد يصاب بالشذوذ الجنسي،ولكنه يبقى يتحرج من ذلك،ويقوم به خفاء عن الأخرين،هذا إذا كانت فيه بقية من حياء أو إنسانية.
أما أن يجاهر هذا المنحرف بشذوذه ،ويعلن به ويتبجح فى ذلك ،فلايفعله إلا من فقد كل معاني الحياء والإنسانية.
يهون الأمر عندما يكون محصوراً فى نماذج فردية،لكن المصيبة الكبرى هي أن يتحول إلى ظاهرة عامة،ووباء عريض يقره المجتمع ويلتقي عليه ويصدر عنه،إن هذا هو طريق الانهيار وفناء المجتمع،ووقت انتظار العواقب الربانية ،والسنن الإلهية التي لاتحابي أحداً.
إن السلوك السوي ،والتوجه الفطري حصره الإسلام فى الزواج الشرعي بين ذكر وأنثى.
الشذوذ داء فتاك بالمجتمعات،له أضرار مدمرة،وأبعاد فاسدة، نفسية ودينية وصحية واقتصادية وخلقية وسلوكية…..الخ
ماذا يحصل للفاعلين الشاذين؟كيف ستكون نفوسهم وأفكارهم؟وما مدى خطورتهم على الأطفال وأبناء المجتمع؟ماذا سيحدث فى اقتصاد المجتمع؟ماذا سينتج من أمراض فى طبقات المجتمع؟ألا يعاقب الله طوابير المنحرفين الشاذين بأمراض تكلف المجتمع كثيراً لعلاجها؟وأمراض أخرى لا علاج لها ولا شفاء إلا بموت أصحابها؟
رد قوم لوط عليه حينما أنكر عليهم شذوذهم:-
رغم دعوته لهم ،وخوفه عليهم ،إلا أنهم اتهموه وهددوه!!
أولاً..كذبوه . ثانيًا..أصروا على الانحراف. ثالثًا…طلبوا تعجيل العذاب.
(أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون فى ناديكم المنكر فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ٱئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين).العنكبوت.
ثم اتفقوا على إخراجه بتهمة مدهشة وهي الطهر والعفة ،فلاعجب حينما تنتكس الفطرة!!
(أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).الأعراف.
أصبحت العفة والطهارة جريمة يعاقب عليها فى المجتمع المنحرف!
وهنا طلب لوط-عليه السلام-من ربه النجاة قال تعالى:( رب نجني وأهلي مما يعملون).
أرسل الله الملائكة للوط- عليه السلام- فى صورة بشر ،وظنهم ضيوفًا،ثم تذكر انحراف قومه ،وخشي على ضيوفه منهم ،وتضايق من هذه الضيافة غير المناسبة،وقال هذا يوم عصيب.
حصل ماكان يحذر:
صحب لوط-عليه السلام-ضيوفه إلى بيته ،لم يرهم من أهل المدينة أحد،فقامت زوجته وأخبرت القوم،فأسرعوا إلى بيت لوط_عليه السلام_خرج إليهم ليدافع عن ضيوفه.
تعلق بأمل أخير ،وبدأ بوعظهم :
(هؤلاء بناتي هن أطهر لكم)-أمامكم النساء-زوجاتكم ،يخاطب الفطرة السوية والله قد هيئهن لهذا الأمر.
(فاتقوا الله)يلمس نفوسهم من جانب التقوى بعد أن لمسها من جانب الفطرة.
(ولاتخزون فى ضيفي) محاولة يائسة للمس نخوتهم ،فينبغي إكرام الضيف لافضحه.
(أليس منكم رجل رشيد)أليس فيكم رجل عاقل؟ إن ماتريدونه هو عين الجنون لو تحقق.
لكن ماذا تصنع هذه الكلمات مع فطرة منحرفة،وقلب ميت،وعقل أحمق مريض؟؟
أحس بالغربة ،وأنه بغير عشيرة ،فصرخ وقال ( لو أني لي بكم قوة أو ءاوي إلى ركن شديد).أخبرته الملائكة أنه يأوي إلى ركن شديد،وأنهم رسل الله ،وأن الله سيهلك قومه ،وأرشدوه إلى طريق النجاة والخلاص(فأسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدابارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون).الحجر.
وبدأ العذاب يحل بهم وكانت بدايته أن طمس الله أعينهم،ثم أخدتهم الصيحة ،واصبح عاليها سافلها،وماربك بظلام للعبيد.