تعرضت السينما المصرية كثيراً في أفلام الأبيض والأسود لفكرة تدخل الحموات لافساد الحياة الزوجية، وكم ضحكنا ونحن نشاهد إسماعيل ياسين وماري منيب في فيلم “الحموات الفاتنات” وغيره من الأفلام التي عالجت القضية في اطار كوميدي، بما تضمنتها من من إفيهات ومواقف طريفة.
الآن، اختلفت الأمور ولم تعد تضحكنا هذه المواقف والإفيهات بل تجعلنا نتحسر على هذا الزمن حتى مع وجود تلك النماذج السلبية التي جسدتها وعبرت عنها السينما في اطار كوميدي أو حتى تراجيدي، بعد أن تعددت الحموات في حياتنا، وأصبح الأهل والأصدقاء خاصة على وسائل التواصل والجيران يلعبون جميعهم هذا الدور السلبي إذا فتحت الباب وسمحت لهم بأن يقتحموا حياتك وعليك أن تتحمل النتائج لأنهم لن يتركوك إلا بعد خراب البيت.
أشخاص عديدون ووسائل كثيرة تتسابق الآن لهدم الأسرة، بعد أن تراجعت ــ أو اختفت ــ الخصوصية بصورة ملحوظة وأصبحت المشاكل الزوجية ــ مثل غيرها ــ على المشاع، في زمن نشارك فيه أصدقاءنا كل شيء “لايف” دون إعتبار لتأثير ذلك على ترابط وتماسك العلاقات الأسرية التي تاهت وتلاشت وسط علاقات ــ وصداقات ــ الفيس بوك وأخواته من وسائل التواصل.
ولم يعد الحكماء يتصدروا المشهد في حالة حدوث مشاكل بين الزوجين مثلما كان يحدث في الماضي، بل يتم طرح القضايا بما فيها من أسرار وخصوصيات على الملأ، وبالطبع يبالغ الأهل والأصدقاء في انتقاد الطرف الآخر _ الزوج أو الزوجة_ كنوع من الترضية والمجاملة، والنتيجة أن الطرفين يخسران في النهاية، فلا أتصور أن أحدهما يحقق الفوز في تلك المباراة خاصة في حالة وجود أولاد.
ولو أن كل طرف أمسك لسانه وتوقف قليلاً عن الخوض في المشكلة لانتهت وحدها دون دعم أو مساندة أو تدخل من أحد، خاصة لو أدرك كلا الزوجين أنه لا يوجد إنسان كامل وبلا خطيئة حتى ندمر بسبب خلاف عارض _ قد يكون تافها_ تلك العلاقة المقدسة.
***
“فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان”.
تلك القاعدة القرآنية كفيلة بتحقيق الإستقرار في علاقتنا الزوجية، ولو طبقناها لما وقع الطلاق من الأساس وتشردت آلاف الأسر وامتلأت أروقة محاكم الأسرة بالقضايا لأسباب يمكن تجاوزها أو التفاوض عليها بهدوء بين الطرفين أو في اطار الأسرة الصغيرة أو حتى العائلة الكبيرة دون أن يتجاوز طرف في حق الآخر.
معظم أسباب الطلاق تأتي نتيجة الإختيار الخاطيء من البداية أو عدم تحمل صعوبة ــ وصدمات ــ الحياة ثم يتبع ذلك طرح الخلافات على مائدة نقاش موسعة لتزيد الهوة بين الزوجين مع تدخلات شياطين الإنس ممن لديهم القدرة على اشعال حرب عالمية وليس هدم بيت وتدمير أسرة، مع الوضع في الإعتبار أنه لايخلو بيت من المشاحنات أو المشاكل التي تنتهي وحدها بالتعامل العاقل من الزوجين.
تلك الأزمة تزايدات بحدة في زمن السوشيال ميديا وتحول الأصدقاء الذين كانوا لايتجاوزن أصابع اليد الواحدة في الماضي، ليصبحوا بالآلاف وكل منهم يدلي بدلوة في قضية المفروض أنها شديدة الخصوصية وأسرار لايجب أن تخرج من بيت الزوجية تصبح على المشاع ويتم تداولها في منشورات “بوستات” يشاهدها القاصي والداني وهو أمر يقضي على مابقي من رصيد لدى الزوجين.
ولوجربنا أن نبقي المشكلة في أضيق نطاق وبين أقل عدد من الأهل ممن يتصفون بالحكمة والحرص على اصلاح ذات البين لما وصلنا الى الوضع الراهن المتمثل في تزايد حالات الإنفصال بصورة مفزعة وغير مسبوقة وبما يهدد ترابط الأسرة ومن ثم استقرار المجتمع كله.
***
روى مسلم في صحيحه من حديث جَابِرِ بن عبدالله رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ» وفي زيادة عند أحمد “فَيَلْتَزِمُهُ – وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ أَنْتَ “.
أيمن عبد الجواد