للعملة المحلية في أية دولة خصوصية تاريخية وحضارية وتراثية تعكس مكانتها ومنجزاتها علي المستويين الأممي والدولي.
وقد ارتبطت طباعة وسك العملات سواء المعدنية أو البرونزية أو الورقية بالأحداث التاريخية والبطولات والأمجاد التي تحققها الدول خلال مسيرتها وربما ترصد محطات فاصلة في حياتها وإشارات مهمة للتطور الإجتماعي والتنموي والثقافي.
وغني عن القول أن هناك رصيدا ذهبيا تخصصه الدولة مقابل ما تطبعه من عملات ، حفظا لقيمة العملة وتجنبا لحدوث موجات من التضخم المتصاعد، مما يؤثر بالسلب علي القيمة الفعلية للعملة أثناء تداولها عبر دورة رأس المال الطبيعية، وقد تلجأ بعض الدول المتأخرة لطباعة عملات دون غطاء نقدي ، وتعاني بعدها من أزمات إقتصادية طاحنة، وانخفاض كبير في قيمة العملة ، بما لا يحقق القيمة الفعلية لتكاليف تصنيعها أو طباعتها.
وكما يعلم الجميع أنه قبل ظهور العملات الورقية كانت العملات كالدينار والدرهم وغيرها تصنع من الذهب والفضة بما يوزاي قيمتها الفعلية.
وقد شرعت الحكومة المصرية مؤخرا ، في إطار التحول الرقمي والحوكمة المالية والإقتصادية في طباعة عملات بلاستيكية لتحل بديلا للعملات الورقية مواكبة للعصر كثاني دولة عربية وإفريقية بعد الكويت وغانا في هذا التوجه، وتمهيدا لطباعة عملات دول إخري ، في إطار العلاقات والإستثمارات المشتركة.
وقد أثارت فكرة إستبدال العملات الورقية بعملات بلاستيكية أكثر أمانا وأقل تكلفة، حالة من الجدل والتساؤلات ،وكعادة المصريين وبخفة ظلهم المعتادة حولوا القضية لحكاية رأي عام من باب التسلية ، وربما الفهلوة والإفتاء بعلم و بدراية أو بدون ،علاوة علي فنون الدهلكة والبهلزة وغيرها من مفردات الشخصية المصرية الفريدة.
وبحلو وبمرها وشطحاتها ،اعتقد أن تفاعل المواطنين مع الأحداث والمستجدات ظاهره إيجابية فمجرد الإهتمام بقضايا ومشكلات الوطن مهما صغرت ، هو نوع من أنواع الإيجابية والمشاركة الوجدانية، فقط يتطلب الأمرنوعا من التوظيف والترشيد وربما التوجيه في بعض الأحيان.
من فتاوي المصريين ومداعباتهم الرشيقة أن العملة الجديدة ستكون كبيرة الحجم وربما تتطلب حقائب كبيرة لحملها ، وسوف تجبر الناس علي إخراج ماتحت البلاطة ، حيث أفتي البعض أنها ستلغي الورقية بمجردطرحها ،اعتبارا من أول نوفمبر القادم.
كما انتقد البعض أسلوب وطريقة تصميمها والعلامات المائية ، وألوان قوس قزح وقال البعض أنها ترمز للشذوذ ، وتشبه شعارات منظمات دولية ،وتطوع عشرات المبدعين لتقديم تصميمات جديدة !!
وأعتقد أن الحكاية لا تستحق كل هذه الجدل ، فالعملات البلاستيكية مصنعة من مادة “لبوليمر” ،والتي لا تنقل الأمراض ، وخاصة في زمن كورونا ،كما أن تكلفتها أقل بكثير من ورق ” البنكنوت” المصنع من الكتان والقطن، وعمرها الإفتراضي يصل إلي 40 شهرا ، بينما لا تتجاوز الورقية عمر العشرة شهور وفقا لتصريحات رسمية، ويتم إعدامها حرقا في مدافن خاصة تجنبا لأضرارها البيئية المتعددة.
أما بلاستيكية البوليمر فهي مادة صديق للبيئة يتم التخلص منها بطريقة آمنة ويعاد تدويرها لتصنيع منتجات أخري.
وقد بدأ البنك المركزي المصري في طباعة فئة العشر جنيهات والعشرين جنيها ، كمرحلة أولي بالمطبعة الجديدة بالعاصمة الإدارية،وبعدها سيتم طباعة فئتي المائة والمائتين ، ثم يتم التخلص من الورقية تدريجيا وتباعا بمجرد إنتهاء عمرها الإفتراضي.
نقول وداعا للورقية ولكل ماهو ورقي، ومرحبا بالبلاستيكية في عصر الجمهورية الجديدة المزدهر.