هم أغنياء ــ وأغبياء ــ حرب أولئك الذين ارتبطت تجارتهم وأرباحهم ومكاسبهم بالحروب والأزمات.. يمتصون دماء الغلابة ويصعدون على جثث غيرهم ويستغلون حاجة الناس أسوأ استغلال.
ومن الإسم فإن عبارة “أغنياء حرب” مرتبطة بالحروب والأزمات التي تحيط بها، وظهرت في مصر خلال فترة الاحتلال البريطاني عندما حرص التجار “الشرفاء” على مقاطعة معسكرات الإنجليز وعدم توريد السلع لها كنوع من المشاركة في الحركة الوطنية ودفع المحتل الى مغادرة البلاد.
وعلى الجانب الآخر كانت هناك “فئة أخرى” من التجار يسيل لعابهم للمال أياً كان مصدره أو ثمنه ولو في مقابل دماء أخوانهم وبني جلدتهم.. كسروا الحصار الذي فرضه المصريون وفضلوا الإنحياز للغة المال والإغراءات التي قدمها المحتل وأرسلوا الأغذية ومستلزمات الحياة اليومية سراً لمعسكرات العدو.
هؤلاء عاشوا وماتوا خونة في نظر الناس ولم يهنأوا بالمال “الحرام” الذي اكتسبوه من دماء أبناء الوطن الزكية لأنهم أعانوا المستعمر على البقاء لمجرد الحصول على الثمن.. وبئس الثمن، فقد باعوا الدنيا والآخرة بمقابل لم يهنأوا أو يسعدوا به، فهل يوجد غباء أكثر من ذلك؟!
التاجر “الشريف” الذي يراعي ظروف الناس ويحرص على الرزق الحلال ولو كان قليلاً لايقل وطنية عن الجندي في ميدان المعركة ، ويحظى باحترام وتقدير الناس ومن قبلهم رضا المولى عز وجل.
***
أحد أصدقائي يروي لي حكاية مخزية عن رفع الأسعار والتفاعل السريع بواسطة قطاع لابأس به من التجار وبعد لحظات محدودة من بدء الحرب الروسية ــ الأوكرانية، وكأنهم تحولوا إلى خبراء استراتيجيين لديهم رؤية إستباقية للأزمات التي يمكن أن تواجه العالم والمنطقة ومنها أم الدنيا.
يقول إنه بمجرد إنطلاق الحرب بدأ بعضهم يحشدون رجالهم أو “صبيانهم” للم العديد من السلع المحددة سلفاً من محلات السوبر ماركت لتعطيش الأسواق توطئة لرفع الأسعار بلا أي مبرر منطقي، فالاحتياطي الاستراتيجي من السلع يكفي ثمانية أشهر مثلما هو معلن ومعلوم للقاصي والداني.
والدولة من جانبها أعلنت استيراد سلع بديلة من رومانيا وبولندا وغيرها لتعويض ماكان يتم استيراده من روسيا وأوكرانيا أي أنه ببساطة لامخاوف من نقص السلع.. كما أنها ــ وهذا هو الأهم ــ قررت تطبيق عقوبات رادعة تتضمن السجن المشدد والغرامة التي تصل الى مليوني جنيه لمن يحتكرون السلع فضلاً عن مصادرة المضبوطات وطرحها في المجمعات بأسعار مناسبة.
المثير والعجيب والغريب أن هؤلاء التجار “الجشعين” شرعوا في زيادة الأسعار بعد أيام قليلة من الحرب، أي قبل حدوث تأثير حقيقي أو الاستيراد من مناطق بديلة أو التأثر بالحرب أصلاً أو حتى الإنتهاء من بيع السلع المتراكمة على أرفف السوبر ماركت.
ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء
***
لاخلاف بين علماء الشريعة على تحريم الإحتكار والمضاربة في قوت الناس، أقول هذا لأن قطاعاً كبيراً من التجار يظهرون التدين ولايتركون فرضاً ويساهمون في اعمار بيوت الله، لكن هناك فجوة بين تدينهم الظاهري وسلوكهم ومعاملاتهم التي دعا اليها الدين الحنيف، وهذا قمة التناقض والفصام الذي أصابهم وأعماهم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم “منِ احْتَكَرَ حِكْرَةً يُريدُ أن يُغْلِيَ بها علىٰ المسلمينَ فهو خاطِئٌ”.. ويقول “من احتكر طعامًا أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالىٰ، وبرىء الله تعالىٰ منه”.
كن إيجابياً وساهم في مواجهة موجة الغلاء بمقاطعة السلع غير الضرورية إن كان ذلك في إمكانك مع الإبلاغ عن أي تاجر يغالي في الأسعار حتى يتم معاقبته وإعادة الأمور وضعها الطبيعي.
اللهم ارفع عنا البلاء والغلاء.