باختصـــار
زواج البارت تايم!!
“الإشهار” و”الإستمرارية” من أهم ــ بل أهم ــ أركان الزواج الشرعي السليم، فالعقد السري أو المحدد المدة لاينعقد حتى لو توافرت فيه الشروط الأخرى.. هذا من الناحية الشرعية، أما من الناحية الشكلية والإجتماعية فلا أتصور أن امرأة عاقلة تقبل على نفسها أن تتزوج لمدة محددة سواء كانت شهراً أو شهرين أو حتى سنة!!
من هذا المنطلق رفض العلماء “المعتبرون” المساس بهاتين القاعدتين وغيرهما من القواعد والأركان الأصيلة التي تهدف في الأساس الى حماية تلك العلاقة الخاصة جداً والتي سماها القرآن الكريم “ميثاقاً غليظاً”، وحتى لاتتحول الى لعبة أو أداة للفساد والإنحراف الأخلاقي في زمن خربت في الذمم وتراجعت فيه القيم والأخلاق.
وعلى فترات أصبحت متقاربة جداً، تظهر ألوان وأنواع من الزواج ــ إن جاز لنا أن نسميها زواجاً ــ ما أنزل الله بها من سلطان آخرها “البارت تايم” والذي يظهر من اسمه أنه شيء اضافي، أي أنها علاقة في وقت الفراغ على طريقة العمل الإضافي.
وتتلخص فكرته في أنه محدد بفترة زمنية معينة، ويتم تسجيل المدة في العقد ومن ثم يلتزم الطرفان بها فالعقد شريعة المتعاقدين، وهو أمر لا خلاف على أنه يفسد العقد باتفاق العلماء، فوق أنه يتم في السر بطبيعة الحال، لأن المرأة في الغالب تكون “زوجة ثانية” أو “ثالثة” أو “رابعة” ولا يريد الزوج أن تعرف زوجته ــ أو زوجاته ــ بما ينوي الإقدام عليه.
المواقع الصحفية تناولت الجانب السلبي لـ “زواج البارت تايم” ونشرت لقاءات وحكايات مع سيدات خضن التجربة وأجمعن على أنها تسيء للمرأة، حتى أن احداهن قالت إن ارتباطها لم يدم أكثر من أسبوعين قبل أن تكتشف أن القصة لاتعدو كونها مجرد نذوة لأنها علمت بالصدفة بأن زوجها “المفترض” يؤجر لها شقة مفروشة بايجار محدد المدة مثل زواجهما بالضبط!!
قد يقول البعض ان فكرة ظهور مسميات وأشكال غريبة للزواج ليست جديدة وأن المجتمع قادر على لفظها اذا كانت تخالف الشرع مثلما فعل مع غيرها من قبل، وهو كلام سليم مائة في المائة.. لكن الجديد ــ والخطير ــ هذه المرة أن بعض المشايخ أجازوه، ربما لاختلاط المفاهيم وعدم القراء الجيدة عنه والإستماع الى نماذج مرت بالتجربة وعانت من تبعاتها، أو للسعي وراء الموضة حتى لايقولون عليهم “شيوخ دقة قديمة” ومن ثم تقاطعهم الفضائيات التي تبحث عن الجديد والمثير لجذب المشاهدين وتحقيق المزيد من المشاهدات ولو من خلال نشر أفكار مدمرة بين الشباب.
وحسناً فعلت دار الإفتاء المصرية التي وضعت حداً لهذه المهزلة عبر اصدارها بياناً يضع النقاط على الحروف، وتحذيرها من الإنسياق وراء تلك الدعوات والمصطلحات الوافدة من الخارج ويقوم بترويجها محبو الشهرة والظهور بما يزعزع القيم ويؤثر سلباً على استقرار المجتمع.
دار الإفتاء أكدت وبشكل واضح وصريح أن وضع توقيت محدد في عقد الزواج يؤدي الى بطلانه، فالعقد الشرعي السليم يقوم على الاستمرارية والا صار محرماً، وحذرت من ظاهرة اطلاق أسماء جديدة على عقود الزواج.
الخلاصة أن الأصل في الزواج أنه “علاقة في النور” ويؤسس لتكوين أسرة جديدة، ومن ثم الإستمرارية ورعاية الأبناء وهو مايحافظ على كرامة الطرفين “الرجل والمرأة معاً” ويحقق الهدف الذي من أجله شرع الزواج.. أما غير ذلك فلا يعدو كونه تلاعباً وتحايلاً وخروجاً عن الشرع، ولايجب أن نطلق عليه زواجاً من الأساس.
أيمن عبد الجواد