بما أن تصوير العمليات الحربية بات يتم في أحيان كثيرة بنفس طريقة ألعاب الفيديو، فلا مانع من الاستعانة بنفس التكنيك الذي يتم في أفلام الأطفال وتصوير الأمر على أنه مشهد حي من العمليات بينما هو في واقع الأمر لايعدو كونه “شغل سيما”.
يحدث هذا الأمر في الاعلام الغربي طوال الوقت طالما أنه يحقق الغرض ــ أو الهدف ــ ونراه في الحرب الدائرة الآن بين الغرب “بواسطة أوكرانيا” وروسيا وحلفائها الذين مازالوا يلتزمون الصمت، والله وحده يعلم الى متى الهدوء أو الصمت.
هذه المشاهد السينمائية من الحرب والتي يستهدف الغرب من ورائها التأثير على الحالة النفسية للجنود بل والشعب الروسي أيضاً لم تعد تنطلي حتى على الأطفال، فالخداع والتدليس أصبح فجا لأبعد مدى وبصورة غير منطقية أو مقنعة.
وتذكرنا تلك العمليات أو بالأحرى المشاهد الحربية “المفبركة” بالأيام السوداء التي عاشتها أم الدنيا عندما كانت وسائل إعلام “مأجورة” تنفخ في الكير لتشعلها نارا، لدرجة أننا كنا نشاهد على تلك الشاشات بعض المتظاهرين “الوهميين” يظهرون بالإسكندرية وأسيوط في ذات الوقت في أكبر عملية خداع مارسها الاعلام ربما في التاريخ كله.
هذا الأمر قد يكون مفهوماً ومتعارفاً عليه في الحروب ولكن عندما يتم المبالغة بصورة فجة خاصة في وقت أصبح اخفاء الحقائق ضرباً من الخيال في ظل المنافسة شرسة على نقل الأخبار.. هذه المبالغة تجعل السحر ينقلب على الساحر ويصبح إذاعة البيانات الكاذبة غير ذي جدوى.
لقد أثبتت الحرب الدائرة الآن دور الإعلام في توجيه ــ أو تغيير ــ دفة المعارك أو بالأحرى تصوير الأمر على غير حقيقته في اطار الحرب النفسية.. كما أثبتت الدور الكبير للسوشيال ميديا في التاثير على الشعوب وخاصة اذا تم استخدامها في نشر الشائعات.
لم يعد الإعلام مثلما كان في العقود الماضية وسيلة إجتماعية للتواصل مع الجماهير، ولكن بات وسيلة للخداع والتدليس أو فن من فنون السيطرة على العقول في وقت الحروب وغيرها.
***
من ايجابيات الحرب الروسية ــ الأوكرانية إن جاز لنا أن نتحدث عن إيجابيات وسط هذا الدمار والتخريب والقتل والحرق، أنها كشفت كل الشعارات المزيفة التي صدعوا بها رءوسنا على مدار عقود ثم انهارت وتهاوت مع إنطلاق شرارة الحرب.
التجربة العملية أثبتت أن الحديث عن الديموقراطية وحقوق الإنسان مجرد وسيلة لخداعنا ودس أنوفهم في شئوننا وعندما تعارضت تلك الشعارات مع مصالح الغرب كانوا أول من يتجاوزها ويدوس عليها.
لن أتحدث ــ أو أتوقف ــ أمام المعاملة والحديث العنصري الذي انتشر في معظم بلدان القارة العجوز في أعقاب وصول القادمين من كييف ببشرة بيضاء وشعر أشقر وعيون زرقاء، فهم مواطنون أوروبيون متحضرون وليسوا قادمين من الشرق الأوسط، هذه الكلمات التي تكررت في أكثر من موقف بمثابة تفرقة فجة طالما زعموا أنها غير موجودة في تلك البقعة المتحضرة من العالم!!
ولن أتحدث ــ أو أتوقف ــ أمام العقوبات التي طالت أشخاصاً لاعلاقة لهم من قريب أو بعيد بالحرب، حتى الرياضة زجوا بها في آتون المعارك رغم أن الكثيرين من اللاعبين “فيما سبق” تم معاقبتهم لمجرد التعبير عن رأي سياسي، وهاهو الفيفا الإتحاد الدولي لكرة القدم بذات نفسه يخرج على قواعده ويستبعد المنتخب الروسي من بطولة كأس العالم القادمة بقطر.
دعك من هذه الأمور وتعالى الى الأخطر والذي يؤكد اختلال وازدواجية المعايير ويتمثل فيما فعلته إدارة الفيس بوك التي سمحت بنشر خطاب يحض على الكراهية ضد روسيا وأعلنوا ذلك بصورة واضحة وأضافوا أنه بمثابة “استثناء” ضمن الإجراءات الغربية ضد موسكو!!
كل شيء انكشف وجميع الأقنعة الغربية سقطت مع دخول القوات الروسية لأوكرانيا، وفي مقدمتها الديموقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من العبارات المصنوعة خصيصاً لإبتزازنا والتدخل في شئوننا.
أيمن عبد الجواد