سيظل المخ، سواء كان بشريًا أم حيوانيًا، مستودعًا لا ينضب للأسرار والغوامض والخبايا التي تتكشف يومًا بعد يوم، وتثبت لنا أن هذه “المادة الرمادية”، لا تقل غموضًا وتعقيدًا عن الكون المليء بالأسرار والمعجزات!
في بحث جديد على الفئران اكتشف فريق من العلماء الخلايا العصبية في المخ، التي تؤثر على المنافسة بين الأفراد والتي تلعب دورًا مهمًا في تشكيل السلوك الاجتماعي للمجموعات. ومن المتوقع أن تكون هذه النتائج مفيدة للعلماء المهتمين بالتفاعلات البشرية ولمن يدرسون الحالات الإدراكية العصبية مثل اضطرابات التوحد وانفصام الشخصية.
“تحدث التفاعلات الاجتماعية بين البشر والحيوانات بشكل أكثر شيوعًا داخل المجموعات الكبيرة، وتلعب هذه التفاعلات الجماعية دورًا بارزًا في علم الاجتماع والبيئة وعلم النفس والاقتصاد والعلوم السياسية،” حسبما يقول وليام لي، الباحث الرئيسي للدراسة. “لا تزال العمليات التي تحدث في المخ وتحرك السلوك المعقد للمجموعات الاجتماعية غير مفهومة جيدًا، فمعظم أبحاث علم الأعصاب، تركز على السلوكيات الثنائية بين فردين يتفاعلان بمفردهما. أما هذه الدراسة فقد ركزت على تتبع سلوك مجموعات كبيرة.”
تبين أن الترتيب الاجتماعي للحيوانات في المجموعة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بنتائج المنافسة، ومن خلال فحص التسجيلات من الخلايا العصبية في أدمغة الفئران، ثبت أن الخلايا العصبية بالمنطقة الأمامية من المخ تقوم بتخزين المعلومات المتعلقة بالترتيب الاجتماعي لتستخدم هذه المعلومات عند اتخاذ القرارات القادمة.
يوضح كبير الباحثين، زيف إم ويليامز، دكتوراه في الطب، أخصائي جراحة أورام الأعصاب، أنه يمكن لهذه الخلايا العصبية معًا أن تتوقع النجاح المستقبلي للحيوان قبل بدء المنافسة، مما يعني أنها تدفع السلوك التنافسي للحيوان بناءً على تقديره للحيوانات المنافسة التي يتعامل معها.”
ويمكن أن يؤدي التحكم البشري في نشاط هذه الخلايا إلى زيادة أو تقليل الجهد التنافسي للحيوان وبالتالي التحكم في قدرته على التنافس بنجاح ضد الآخرين.
تشير النتائج، التي نشرها موقع ساينس ديلي، إلى أن النجاح التنافسي ليس مجرد نتاج للياقة البدنية للحيوان أو قوته، ولكنه يتأثر بشدة بالإشارات الموجودة في الدماغ التي تحرك الدافع التنافسي. هذه الخلايا العصبية الفريدة يمكنها دمج المعلومات حول ببيئة الفرد، وتركيبة المجموعة الاجتماعية، ومكافأة الموارد، لكي تقوم بحساب أفضل طريقة للتصرف تحت ظروف معينة”.
بالإضافة إلى تقديم نظرة ثاقبة لسلوك المجموعة والمنافسة في المواقف الاجتماعية أو الاقتصادية المختلفة وغيرها من الظروف، فإن تحديد الخلايا العصبية التي تتحكم في هذه الأنشطة قد يساعد العلماء في تصميم تجارب لفهم السيناريوهات التي يتغير فيها المخ بشكل أفضل.
يقول ويليامز: “تظهر قدرة الفرد على فهم الأعراف الاجتماعية والقيام بالأفعال التي تتناسب مع البنية الديناميكية للمجموعات الاجتماعية، إن فهم سلوك المجموعة والتنافس له صلة بالاضطرابات العصبية الإدراكية، ولكن كيفية حدوث ذلك في الدماغ لم تكن معروفة.”