ما أكثر أيام الحياة وما أقلها حظاً
لم أعش من تلك الأيام التي عشتها في هذا العالم الضيق إلا بضع لحظات أو سويعات، مرت بي كما يمر النجم الدهري في سماء الدنيا ليلة واحدة،ثم لا يراه الناس بعد ذلك
قضيت الشطر الأول من حياتي أفتش عن الحب والصداقه،فتقربت مني صديقة رقيقة القلب مرهفة الحس رأيت فيها صورة من صور الكمال الإنساني في وجه إمراءة،فجلت مكانتها في نفسي ،ونزلت من نفسي منزلة لم ينزلها أحد من قبلها،حتي أزعجتني الأيام فهجرت قريتي وذهبت إلي القاهرة غير أسفة علي شئ إلا فراق صديقتي ثم أنقطعت أخبارها فحزنت حزنا شديدا ومرة سنوات وسنوات وتهت في زحام الحياة بهمومها وجروحها، وعدت إلي قريتي الطيبه فكان أول همي ملاقتها، فذهبت إلي مزلها كانت السماء تكشر عن أنيابها في ذاك الوقت ،فرأيت ما لا تزال حسرته في قلبي إلي الأن
تركت منزلها جنة الله في أرضه تترأي فيها السعادة في ألوانها المختلفة ،ولكنني اليوم أمام مقبرة موحشة ساكنة،لا يلمع فيها مصباح ،ولا يهتف فيها صوت فظننت أني أخطأت حتي سمعت طفلة صغيرة تنادي يا أمي،ولمحت في بعض النوافذ نور ضعيفا ، فمشيت إلي الباب وطرقته فلم يجب احد فطرقته مرة ثانية،فإذا بفتاة صغيرة تفتح لي فتأملتها في ضوء المصباح فرأيت صورة أمها فيها فسألتها أين سهام فأشارت لي بالدخول حتي وصلت بي إلي قاعة مغبرة بالية المقاعد وجري بيني وبين الفتاة حديث قصير ،ثم ألتفت فإذا بصديقتي تنهار فرحا وشوقا
هل علمتي ما صنع الدهر بي؟
قلت لها ماذا حدث؟
قالت ليتك لم تفارقيني
زوجي يا حبيبتي اتصل برفقاء السوء واصبح منقطعا عنا وعن أهله وعلمت أن اليد التي ساقته للشراب ساقته إلي لعب القمار وإدمان المخدرات،واصبح زوجي الرحيم الكريم أبا قاسيا وزوجا سليطا يضربني ويضرب اطفالي ،واصبح ذلك الرجل الغيور علي اهل بيته يأتي برفقاء السوء فيصعد بهم إلي الغرفه التي أنام فيها أنا واطفالي فيشربون ويتراقصون إلي أين أذهب يا صديقتي؟
وما هي إلا أعوام حتي أنفق نقوده فباع جميع ما يملك حتي هذا البيت الذي نسكن فيه ،فسالت دموعي أنهارا علي هذه العيون التي أصبحت لا تنام
الآن عرفت أن الوجوه مرايا النفوس، تضئ بضيائها وتظلم بظلامها، فقد فارقت هذا الرجل منذ سنوات وكان رجلا صالحا لقد تغير كل شئ حتي صورته تلاشت مع أفعاله بزوجته وأطفاله
ورأيته ويا ليتني ما رأيته
رأيت وجها عابسا وقلبا مكسورا،ثم مددت يدي إليه فلم يحرك يده فقلت له مالك لا تمد إلي يدك ؟
فبكي وقال لي((لا أريد أن أكون كاذبا))
قلت وما يعيق وفائك لمن حولك زوجتك وأطفالك
قال: أنا رجل تعيس لا حظ لي في الحياة
قلت له أنت من أخترت طريق الشقاء والتعاسة وإدمان الكحول والمخدرات
قال: لأن السعادة سماء والشقاء أرض وقد زلت قدمي عن حافة الهاوية فلا قدرة لي علي التماسك
قلت ((ليس بينك وبين الخير إلا عزمة صادقة تعزمها إذا انت من الناجحين
ثم أنفجر باكيا بصوت عال معلنا توبته وذهبت به إلي أقرب مشفي لعلاج الإدمان وبعد شهور قلائل تبسمت الحياة إلي هذه الأسرة وأرتاحت العيون التي لا تنام
ف