أكد د. صلاح هاشم رئيس المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” أن الخطوات التي انتهجتها الدولة المصرية عقب الحرب الروسية الأوكرانية تتسم بالاتزان والحرص على المصالح مع جميع الأطراف، حيث تحرص على اتخاذ مواقف لا تتعارض مع القانون الدولي ومبادىء ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ولا تضر بمصالحها.
أوضح هاشم أنه فى الوقت الذى أيدت فيه مصر القرار الأممي المطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، رفضت توظيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو خارج إطار آليات النظام الدولي متعددة الأطراف من منطلق التجارب السابقة، والتي كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية.
كما صرح رئيس منتدى “دراية” بأن العلاقات المصرية مع الولايات المتحدة الأمريكية قوية ومتنوعة منها السياسية والعسكرية والاقتصادية، كما تربطها ذات العلاقات مع الجانب الروسي والصيني، ولكن قد تميل العلاقات فى فترة معينة لأن تكون أكثر قوة وارتباطا مع طرف دون أن يعنى ذلك توقف التعاون مع الأطراف الأخرى. فالدولة المصرية حريصة كل الحرص على تحقيق علاقات متوازنة مع الأطراف الثلاثة الأمريكية والروسية والصينية.
على صعيد مدى تأثير التحالف المحتمل أو التقارب الروسي الصيني على المنطقة العربية، أشار “هاشم” إلى أنه فى ضوء فقد الدول العربية للثقة فى الجانب الأمريكي الناجم عن تصرفاتها أحادية الجانب دون مراعاة لمصالح شركائها وحلفائها، تبحث الدول العربية عن علاقات سياسية واقتصادية جديدة ومتوازنة مما يجعلها قد تسعى لتعزيز علاقاتها الاستراتيجية مع كل من الصين وروسيا.
أصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” تقريرا يستعرض أبرز السيناريوهات المحتملة للعلاقات الروسية الصينية خلال الفترة القادمة وذلك عقب الحرب الروسية الأوكرانية التى ألقت بظلالها الكثيفة على النظام العالمي ونظام التحالفات الدولية وما يتبعها من تحولات جيوسياسية واسعة.
تناول التقرير الموقف الرسمي الصيني للحرب الروسية الأوكرانية ومدى تأثير تنامي العلاقات بين الجانبين الروسي والصيني على المنطقة العربية بشكل عام ومصر بشكل خاص فى ضوء حقيقة أن الدول العربية لن تكون بمنأى عن التغيير الذى يطال العالم عقب الحرب الدائرة رحاها حاليا، بل ستتخذ من السياسات والمواقف ما يضمن لها أمنها ومصالحها، واستقرار شعوبها.
أشار تقرير “دراية” على موقعه الإلكتروني draya-eg.org إلى أن ثمة مراقبون يصفون العلاقات الروسية الصينية الحالية بأنها تحالف، بينما يجادل البعض بأن العلاقة تتطلب معالجة بعض الجوانب اللازمة للتحول إلى تحالف دائم، وهناك مراقبون آخرون يرون أن لكل من روسيا والصين استراتيجيته المستقلة الساعية نحو إعادة تشكيل النظام العالمي والتى تتلاقي حينًا وتتنافر حينًا آخر.
وفقا لآراء بعض المحللين السياسيين، ذكر التقرير أن الدعم الصيني لروسيا فى أزمة أوكرانيا لم يتعد حيز المؤازرة السياسية الرمزية، وذلك على غرار ما حدث عام 2014 فى أعقاب ضم روسيا لشبه جزيرة القرم.
وضع التقرير 3 سيناريوهات محتملة للعلاقات الروسية الصينية، الأول سيناريو إنشاء تحالف روسي صيني يهدف لإصلاح النظام العالمي وتحوله إلى نظام تعددي الأقطاب يطوى صفحة الهيمنة الأحادية الأمريكية، لاسيما وأن الصين وروسيا قد اتفقتا على “شراكة بلا حدود” ودعم كل منها الآخر بُغية تحقيق إمكانات جيوسياسية لا نهاية لها.
هنا أشار التقرير إلى اعتبار الصين روسيا شريك يكفل لها مواصلة إمداداتها الغذائية وكذلك المواد الخام الأخرى إذا نفذت الولايات المتحدة أقصى قدر من الإكراه الاستراتيجي ضد الصين حال اندلاع حرب في مضيق تايوان أو في بحر الصين الجنوبي.
كما نوه التقرير إلى أهمية التعاون بين روسيا والصين على المستوى العسكري حيث تُفضل الصين تعزيز العلاقات مع روسيا بُغية تشكيل جبهة رادعة للولايات المتحدة وحلفائها فى ظل تسريع اكتساب الصين للتقنيات الرئيسية التي لا تستطيع الصين صناعتها وهو ما يجعل وصول التعاون إلى مستوى التحالف هو السيناريو الأسوأ للولايات المتحدة وهو مايحمل معه احتمالية تعرضه لمحاولات اختراق غربية وخاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
غير أن هناك كثير من المراقبين يؤكدون وجود قيود وعراقيل أمام تكوين تحالف روسي صيني على خلفية أنهما قوى متنافسة، غير أن قادتهما استطاعا وضع إطار يُمكن من خلاله التعامل مع وضع التنافس – وهو أمر تفتقر إليه الولايات المتحدة حاليًا في علاقاتها مع روسيا أو الصين. والأهم من ذلك ، أن الرغبة المشتركة في تجنب المواجهة العسكرية قد أرست أرضية تضمن استقرار وعدم تدهور العلاقات الروسية الصينية .
فيما يتعلق بسيناريو شبه تحالف، أفاد التقرير أن عدم وجود تحالف واسع النطاق بين روسيا والصين لا يقيد تعاونهما العسكري والأمني فقد يكون في حدود التشاور والتنسيق فيما يتعلق بالشئون الأمنية والاقتصادية وقضايا السياسة الأخرى.
أما السيناريو الثالث والأخير المتمثل فى التعامل المنفرد جاء على خلفية محدودية المكاسب الصينية جراء التحالف الاستراتيجى أو شبه التحالف المحتمل مع موسكو، فمن المرجح أن تتجنب الصين الاصطدام بالولايات المتحدة الأمريكية أو الغرب مما قد ينجم عنها من خسائر يستعصى تعويضها خاصة فى ظل تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني بفعل تداعيات جائحة كورونا والتراجع السريع في قطاع العقارات، فضلا عن أزمات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.