بعقيدة ضالة .. تجرد سائق بمدينة قنا من كافة المشاعر الإنسانية بعد شهور طويلة من التخطيط ليقرر التخلص من فلذة كبده بإلقاءه أسفل الكوبرى أمام ستاد قنا تاركًا إياه للكلاب الضالة لتنهش جسده ولا تبقى له أثرًا ليمحى بذلك آثار علاقته غير الشرعية مع والدة الطفل والتى أثمرت عن هذا المولود الذى لم يكن له ذنب في الحياة سوى إنه ولد لأب وأم تجردا من المسؤولية وتنكرا لعادات وتقاليد أصيلة بعدما أغواهم الشيطان للوقوع في الحرام، وذلك بعد محاولات متكررة من جانب السائق مع والدة الطفل للتخلص منه قبل أن يخرج للحياة وبعد أن باءت محاولاته بالفشل قرر أن يتخلص منه بطريقته؛ قبل أن ينكشف المستور وتظهر الحقيقية المؤلمة ويدفع الرضيع ثمن نزوة لأب وأم بعدما تحولا إلى نفوس ضالة.
” الأم ” كانت فتاة في بداية العقد الثاني من عمرها، على قدر من الجمال، نشأت في كنف أسرة بسيطة الحال لكنها متمسكة بالعادات والتقاليد، وعلى الرغم من هذه القيود التي فرضتها الأسرة، إلا أن الفتاة كان لها رأي أخر، لم تستسلم للأمر الواقع الذي فُرض على معظم بنات عائلتها، كانت تحلم بأن تعيش حياه مختلفة، منذ الصغر وهي تهوى مشاهدة الأفلام الرومانسية، كثيرًا ما كانت تسرح بخيالها وترى نفسها بطلة الفيلم، تمنت في قرارة نفسها أن تعيش قصة حب كبيرة تسمو بها إلى آفاق بعيدة، عشقها لقصة حب تزلزل مشاعرها جعلها مهيأة نفسيًا لأول شاب طرق باب قلبها المشوش.
عثرت الفتاة عن طريق المصادفة على ما كانت تصبو إليه عندما التقت عينيها بسائق سيرفيس بمدينة قنا، لم تخفي إعجابها به، فبدأ السائق يلتفت إلى نظراتها ويراقبها في المرآة ولكن بحذر شديد حتى لا يلاحظ الركاب أى شئ ، وبمرور الوقت نجحت الفتاة بدهاء الأنثى أن توقع به في شباكها، وتحول الإعجاب إلى قصة حب كبيرة، لا يعلم بها أي شخص سواهما، تعددت بينهما اللقاءات، ثم سرعان ما بدأ الشاب يحرض حبيبته على مقابلته لتبادل أحاديث العشق والغرام والوعود الرنانة حتى نجح في الاستحواذ على كل من قلبها وعقلها بشكل كامل.
أصبحت الفتاة تتنفس هواء عشيقها، كانت تعد الأيام والليالي لتحقق حلم حياتها بالارتباط به، قلبها كان يسير في طريق واحد بلا رجعه، حتى جعلها هذا الشاب تنسى عادات وتقاليد أسرتها، ولم تفكر في أي شئ سوى قلبها العاشق الولهان إلى أن وقع المحظور وفقدت الفتاة أعز ما تملك، دارت بها الدنيا بعدما اكتشفت المصيبة الكبرى التي وضعت نفسها فيها، أما حبيبها فألقى باللوم عليها واتهمها بأنها تعمدت ذلك الأمر حتى تضعه في موقف حرج وتُجبره على الزواج منها، ومن هنا بدأت الخلافات تدب بين الطرفين، وفى الوقت ذاته كان الشاب يخشى أن ينكشف أمره بعد أفراد عائلته وأصدقائه، فحاول التنصل من الواقعة ولكن دون جدوى.
جن جنون الفتاة وهى ترى تهرب حبيبها منها في كل مرة تتحدث معه في أمر زواجهما، بعدما اكتشفت حملها منه ولم تستطع أن تفعل شيء خصوصًا وأنها لن تستطيع إخبار أسرتها بهذا الأمر، توسلت له كثيرًا وهو لا يلقي لها بالًا، والمشكلة تتفاقم بشكل كبير، والفتاة يعتصرها الألم والخوف من أسرتها التي ستعاقبها أشد عقاب إذا علمت بما حدث وربما يصل الأمر لحد القتل.
الأسابيع تمر وهي تخشي أن تظهر عليها آثار الحمل خوفًا من بطش أسرتها، بينما العشيق يطالبها بالتخلص من الطفل قبل أن يخرج للدنيا، وهى ترفض أن تقتل ولدها حتى وإن كان ابن خطيئة – كما كانت تقول – إلى أن وصلت للشهر الرابع من حملها وقتها بدأت تتذبذب تارة تفكر في الانتحار وتارة أخرى تفكر في التخلص من الجنين كما نصحها العشيق حتى تتخلص من العار، لكنها فكرت في الذهاب لحبيبها للمرة الأخيرة تتوسل له لعله يفيق من غفوته، إلا أنها أصر على موقفه ورفض الاعتراف بالجنين.
لم تجد الفتاة مفرًا من إخبار والدتها بكل شيء، والتي انهالت على ابنتها سبًا وضربًا وصفعًا، كانت أمام مشكلة معقدة وخشيت على ابنتها من القتل لو علم أي فرد من العائلة تفاصيل ما حدث، إلا أنها قررت أن تتقابل مع الشاب وحاولت معه مرات ومرات إلى أن وافق الشاب على الزواج من ابنتها .
هدأت عيون الفتاة ووالدتها بعد اتمام الزواج الذى لم يحضره سوى المقربين دون أن يعلموا بتفاصيل الواقعة .. الفتاة ظنت أن القصة انتهت بذلك، بينما عشيقها كان له رأى آخر، إذا إن كل همه ان يتوقف الضجيج من حوله حتى لا يشعر أحد بالفضيحة وهو ينتظر أن تضع زوجته مولودها بفارغ الصبر حتى يتخلص من هذا الكابوس المرعب .
مرت شهور الحمل ووضعت الفتاة حملها داخل مستشفى المعبر بوسط مدينة قنا، ومن ثم الزوج التفكير في النصف الثاني من الخطة وهو كيفية التخلص من الطفل الرضيع، وبعد تفكير عميق قرر أن يوهم الجميع أنه سيأخذ طفله إلى حضانة خاصة على نفقته وهو يوهم زوجته ووالدتها بسعادته التى يحاول إبرازها بابتسامة وضحكات مزيفة حتى يتمكن من تنفيذ مخططه، ولا تعلم الأم أن مسلسل الغدر والخيانة من حبيبها لم ينته بعد فوافقت على فكرته بان يتم وضع الطفل في حضانة خاصة.
غادر الزوج مع زوجته ووالدتها من المستشفى إلى المنزل ومعهم الطفل، وهو يوهم زوجته أنه تواصل مع إحدى الحضانات التى أبلغته أنه ستقوم بالاتصال به خلال ساعات ليقوم بإيداع الطفل بداخلها بعد أن يكون قد تم توفير مكان له .. ومرت الساعات والنار تأكل قلب الأب حتى تحول قلبه إلى فولاذ، كل همه ألا يسمع الجيران صوت الطفل وأن تمر الساعات لينفذ مخططه.
ومع هدوء الليل، أوهم السائق زوجته بأنه تلقى اتصالًا من الحضانة ليقوم بإيداع الطفل داخلها، وطلب منها البقاء بالمنزل لتأخذ راحتها كما طلب من والدتها أن تبقى مع ابنتها لتقوم على رعايتها، ليبدأ الأب في تنفيذ مخططه الإجرامى للتخلص من الطفل بعد 9 أشهر قضاها في التفكير بكيفية التخلص منه لينتهى هذا الكابوس إلى الأبد .
اصطحب الأب طفله الرضيع، يضمه بين ذراعيه وهو يلتفت يمينًا ويسارًا يخشى أن يراه أحد، إلى أن استقل سيارته متوجهًا إلى خارج نطاق إقامته يبحث عن مكان يلقى فيه طفله الرضيع الذى لم يمر على ولادته سوى ساعات إلى أن توقف أمام ستاد قنا الرياضى وألقى بالطفل الرضيع أسفل كوبرى السكة الحديد العلوى في منطقة اعتادت أن يرى تجمع للكلاب الضالة هناك على أمل أن تنهش الكلاب جسد الطفل الرضيع ويختفى أثر جريمته للأبد .
غادر السائق موقع جريمته سريعًا ليعود إلى المنزل يخبر زوجته أنه قام بإيداع الطفل – الذى أطلق عليه أسم ” رحيم ” – في الحضانة كما أخبرها أن الطفل حالته غير مستقرة وسيتم وضعه على أجهزة التنفس لعدة أيام ، قاصدُا من ذلك تضليلها ليخبرها بعد ذلك بوفاة الطفل داخل الحضانة ليبعد عن نفسه جريمة قتل الطفل .
ولكن .. و آه من لكن .. فقد شاءت الأقدار أن يتم نسف مخطط الأب الذى فقد عقله وقلبه، بعدما تمكنت دورية أمنية من العثور على الطفل أسفل الكوبرى ليتم إخطار النيابة العامة على الفور والتى أمرت بنقل الطفل للمستشفى وإيداعه بإحدى الحضانات لرعايته، إلا أن الطفل فارق الحياة قبل وصول المستشفى، فتم إيداع الجثة بمشرحة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة .
في تلك الأثناء بدأت صفحات مواقع التواصل الإجتماعى تضج بخبر العثور على طفل لقيط أسفل الكوبرى أمام ستاد مدينة قنا، مع نشر صورة الطفل من جانب الأهالى الذين تواجدوا لحظة العثور عليه وقيام أجهزة الأمن بنقله للمستشفى.
كل لحظة كانت تمر على الأب كان قلبه يرتجف خوفًا من أن ينكشف أمره، وهو ينتظر أن يأتى الصباح ليخبر زوجته بأن الطفل مات داخل الحضانة .. ليخرج في الصباح يمارس عمله على السيارة بشكل طبيعى حتى بدأت الأحاديث داخل السيارة بين الركاب تؤكد عثور أجهزة الأمن على طفل لقيط أسفل الكوبرى والجميع يردد ” حسبنا الله ونعم الوكيل ” وهو يحاول أن يظهر بشكل طبيعى ويردد ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” بينما النار تأكل قلبه وهو يخشى أن ينكشف أمره .
وبعد توقيع الكشف الطبى على الطفل تبين أنه لم يمر على ولادته سوى 7 ساعات فقط وقت حدوث الواقعة، فبدأت أجهزة الأمن بمراجعة المستشفيات بمدينة قنا لبيان حالات الولادة التى تمت خلال الـ 24 ساعة لتحديد مرتكب الواقعة .
وتوصلت التحريات إلى تحديد اسم والدة الطفل وتدعى ” رحمة.ع.م” 15 عامًا ووالده يدعى “أحمد .ك .س” – 27 عاما – ، وتبين ان الطفل جاء نتيجة علاقة غير شرعية، وكشفت التحريات قيام والد الطفل المدعو “أحمد. ك. س ” وشهرته ” قنص ” الذى يعمل سائقًا ومقيم بمنطقة الحصواية بدائرة مدينة قنا بارتكاب الواقعة بعدما تجرد من كافة مشاعر الإنسانية والرحمة ليلقى بطفله الذى لم يمر على ميلاده سوى بضع ساعات ليأخذه من أحضان أمة ويلقى به للكلاب الضالة أسفل الكوبرى.
تمكنت قوة أمنية من ضبط المتهم وبمواجهته انهار واعترف بإرتكاب الواقعة، وكشفت أوراق التحقيقات قيام المتهم بتاريخ 25 / 5 / 2021 بدائرة قسم قنا بتعريض حياة المجنى عليه الطفل “رحيم.أ.ك .س” للخطر بأن ألقاه أسفل أحد الكبارى في مكان يخلو من الأدميين وتسبب فى موته.
وتبين من التحقيقات أنه أثناء مرور النقيب أحمد هشام رئيس وردية مرورية بتفقد الحالة الأمنية بمدينة قنا، تلقى بلاغًا بوجود طفل لقيط أسفل كوبرى كائن أمام الاستاد الرياضى وعلى الفور تم إخطار الإسعاف لنقله إلى المستشفى وأثناء قيام الفريق الطبى بسيارة الإسعاف بتوقيع الكشف الطبى عليه اكتشفوا وفاته وتم نقله للمستشفى ولم يتعرف عليه أحد.
ثم توصلت التحريات إلى قيام المتهم بخداع إحدى الفتيات صغار السن وحملت منه وعندما جاءها المخاض ذهب بها ومعه والدتها إلى مستشفى المعبر بوسط مدينة قنا ووضعت الطفل وتم إيداع الطفل إحدى حضانات المستشفى وبعد لحظات من إيداعه الحضانة طلب الأب أن يتم التصريح له بنقل طفله إلى إحدى الحضانات الخاصة، وعاد الأب وزوجته وحماته بالطفل إلى منزل والدته وبعد العودة للمنزل طلب من زوجته وحماته ليلًا أخذ الطفل لإيداعه إحدى الحضانات فقام بالتخلص منة بالقاؤه أسفل الكوبرى لتأكله الكلاب الضالة.
أنكر الأب في بادئ الأمر علاقته بالواقعة، فأمر عمر عبدالوهاب رئيس نيابة قسم قنا بسكرتارية محمد رمضان بتشريح جثة الرضيع وأخذ بصمة وراثية منه ومطابقتها على بصمة الأب، فجاءت البصمة الوراثية للرضيع مطابقة مع الحمض النووى المستخلص من المسحة الفمية المأخوذة من الأب وبمواجهته إنهار واعترف بارتكابه الجريمة.
وكان المحامى العام لنيابات قنا قد أمر بإحالة المتهم – محبوسًا – إلى محكمة جنايات قنا، والتى أصدرت حكمها بالسجن المشدد 5 سنوات ضد المتهم .. وأصدر الحكم المستشار عصام محمد عيسى رئيس المحكمة، بعضوية المستشارين سامى عبدالجواد إسماعيل وأحمد عبدالحى قورة الرئيسين بالمحكمة، بحضور أسامة الرماح ممثل النيابة بأمانة سر صلاح فراج وعلاء سلوك والعابد عبدالهادى.