كان ياما كان في سالف العصر والأوان شخص اسمه علي بابا الذي فتح المغارة وحصل على كنز من الذهب والياقوت والمرجان.. هذه لم تكن مجرد حكاية نسمعها ونحن أطفال ولكنها تحولت الى ثقافة وظلت في وجداننا حلماً قابلاً للتنفيذ ليتغير معه مستقبلنا كله بخبطة واحدة أو بالعثور على الكنز.
الطريق الى “كنز علي بابا” له مسارات كثيرة ومتعددة، منها الزئبق الأحمر الذي يعشقه الجن ليفتح المغارة و”تتوالد الأموال، لكن هذا الجن لايعمل مجاناً ولن يرضى إلا بعد أن تبيع كل شيء تمتلكه أملاً في أن تحصل على مايفوق ذلك بكثير لكن الجن والوهمي يختفي هو ومن يقوم بتسخيره!!
ومن “توليد الأموال” الى البحث عن “المساخيط” كما يطلقون على الآثار أو المقابر الفرعونية، فقد انتشرت في فترة من الفترات مسألة فتح مقابر أجدادنا القدماء والإستيلاء على مابها من خيرات، وكلمة السر أيضاً في الزئبق الأحمر، فالجن الذي سيفتح المقبرة يعشقه ويتغذى عليه.
ومثلما يختفي الأول سيختفي الثاني والثالث والعاشر، فالأمر لايعدو كونه وسائل متعددة للنصب على عباد الله واستنزاف أموال الطماعين الذين لايتوبون ويكررون المحاولات حتى لايبقى معهم جنيه واحد، بل أن بعضهم يهدم المنزل على رأس عائلته خلال رحلة البحث عن الكنز الفرعوني.
واذا كان شيطان “الجن” يعشق الزئبق الأحمر فإن شيطان “الإنس” تستهويه الدولارات والجنيهات وكل العملات، لذلك يأتينا حاملاً مفاتيح كنز علي بابا وبعد أن يحقق هدفه ويجمع أموالنا يختفي ولاتعثر له على أثر ثم نبكي بعد فوات الأوان، ونلوم غيرنا بينما نحن من سلمنا أنفسنا وأموالنا لنصابين محترفين استغلوا سذاجتنا وطمعنا.
***
لا أعلم معنى كلمة “مستريح” أو لماذا يتم اطلاقها اصطلاحاً على النصاب الذي يجمع أموال الناس بحجة توظيفها أو استثمارها، ولكن الذي أعرفه أن الظاهرة ليست جديدة أو مفاجأة ويتم تكرارها واستنساخها بنفس الطريقة والسيناريو على فترات زمنية متقاربة، والسؤال: لماذا ننخدع كل مرة ونلدغ من ذات الجحر مرات عديدة؟!
لا أعتقد أن أحداً من الخبراء والمتخصصين لديه اجابة وافية ومنطقية غير أنه الطمع الذي يعمي الأبصار والقلوب، فالعائد أو الربح المبالغ فيه جداً يجعل الكثيرين يتغافلون عن حقيقة واضحة وضوح الشمس بأننا نتعامل مع نصابين ولايتم كشف الأمر والتأكد من أن الموضوع نصب في نصب إلا بعد ضياع الأموال واختفاء النصاب الذي خدع الناس بقناع التقوى والبر والصلاح.
تاريخ تلك الحوادث يؤكد أن البداية لم تكن بأسوان لكن ماحدث مع أهالينا في جنوب مصر نكأ الجراح وأعاد الى الأذهان عشرات الوقائع المشابهة وأعاد الحديث عن مرة أخرى عن تلك الظاهرة وهؤلاء النصابين الذين يطلون علينا بين وقت وآخر بوجوه الحملان وهم في حقيقة الأمر ذئاب أو شياطين يتحينون الفرصة للإجهاز علينا والإستيلاءعلى أموالنا.
وإذا كانت حادثة أسوان ليست الأولى فإننا نتمنى أن تكون الأخير وأن يتحلى أهالينا في الشمال والجنوب والدلتا وكل بقاع المحروسة بالوعي الكافي وأن يسارعوا بالإبلاغ عن أي “مستريحين” جدد بمجرد ظهورهم بدلاً من مكأفأتهم بمئات الملايين لمجرد أن هذا “المستريح” أو ذاك أظهر بعض الكرم وأقام الولائم أو أحاط نفسه بهالة من الوقار والتدين المصطنع.
هناك وجوه كثيرة ومتعددة للنصب وظاهرة “المستريحين” واحدة منها، مثلها مثل التنقيب عن الآثار أو “توليد الأموال” أو رسائل الإيميل التي تبشرك بأنك أصبحت مليونير وليس عليه إلا ارسال بضعة آلاف رسوم تحويل الأموال أو “الكنز” وغيرها من وسائل النصابين، فالمعين لاينضب والأفكار والألاعيب الشيطانية لاتتوقف.
والحل لمواجهة كل هذا قبل أن يكون أمنياً، يعتمد على وعي الناس وقدرتهم على كشف النصابين وتقديمهم للعدالة قبل أن يلهفوا تحويشة العمر، فـ “الحداية لاترمي كتاكيت” كما يقولون.
أيمن عبد الجواد