أعترف أنني في البداية لم آخذ هذه التجربة على محمل الجد، قلت كيف لمجموعة من الشباب ،لاحول لهم ولاقوة، ينشئون مركزًا ثقافيًا أهليًا في قريتهم بالجهود الذاتية، كيف سيتعاون الكبار والصغار معهم، والمسألة تحتاج أولا: إيمانًا بالفكرة، وثانيًا: دعمًا لها ،ماديًا ومعنويًا، والناس الآن لديها من الهموم والمشاكل والاحتياجات مايصرفها عن هذا النوع من العمل ،الذي يعتبره الكثيرون نوعًا من الترف.
صاحبة الفكرة آيات عبدالدايم سعد حسان، شابة في مقتبل العمر، حاصلة على ليسانس آداب، تنتمي إلى قرية جروان مركز الباجور منوفية، القرية لم تحظ ببيت أو قصر للثقافة، والشباب والأطفال لايجدون متنفسًا ثقافيًا لهم، وأوقات فراغهم يشغلونها فيما لايفيد، وربما يشغلونها فيما يضر،ففكرت في إنشاء هذا المركز، وهو عبارة عن مكان بسيط يضم مكتبة ويقيم بعض الأنشطة الثقافية والفنية لشباب وأطفال القرية،والهدف – كما تقول آيات- الاهتمام بالبذرة وتنميتها ، وبناء وعي هؤلاء، واستغلال طاقاتهم فيما يعود بالنفع عليهم وعلى بلدهم بالتالي .
المكان تم توفيره بواسطة جمعية تنمية المجتمع بالقرية، وتم تشكيل فريق متطوعين قاده عبدالله طه (17 عاما) ومعه مجموعة من الشباب والفتيات من سن 12إلى 17 عامًا، وتم تجهيزه بتبرعات أهل القرية ، بدأت بأولاد أشقائها الذين ادخروا مصروفهم وتبرعوا به، وهم: يارا وأحمد محمد سعد عبدالدايم حسان، وأحمد ومحمود عبدالله محمد عبدالفتاح شعبان، ويوسف وسلمى ياسين حسين حشيش، ومحمد وآدم أحمد إبراهيم عبدالمحسن، ومن السيدات و الرجال عدد كبير من أهالى القرية فضلوا عدم ذكر اسمائهم.
وهناك من تبرعوا بأشياء عينية، منهم السيدة آمال ، إيمان أبو العزم ، بكر حسان ، إلهامي مصطفى حفنى ، هدى عبدالدايم حسان ، وائل جميل عيسى ،منهم من جاء بمروحة أو كولمن مياه أو مجموعة مقاعد، أو أدوات إضاءة، أو غيرها مما يحتاجه المكان.
ومن الذين تبرعوا بالكتب:د. عماد أبو غازي، د. محمد نور الدين، د. سلوى فرج العنتري، الصحفية رانيا هلال، محمد مجدي حسان، طارق بدوي سويلم، الناشرة دينا الغمرى( دار الكتبجية) الناشر خالد عبدالحميد( دار مرح) الهيئة العامة للكتاب، المجلس الأعلى للثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، بيت الحكمة للصناعات الثقافية( تواصلوا للدعم وفى انتظار خطاب الجمعية لإنهاء الشق الروتينى)
ذهبت مع الصديق الكاتب محمد عبدالحافظ ناصف رئيس المركز القومي لثقافة الطفل لافتتاح هذا المركز،وكنت للأمانة متخوفا أن تطلع المسألة فنكوش.
محمد عبدالحافظ ناصف عندما سمع عن هذه التجربة أصر على دعمها وحضور افتتاحها بنفسه مصطحبا معه قافلة المركز التى تطوف بمعظم قرى ومدن مصر،قافلة ضخمة تضم ورشًا للرسم، وفقرات للساحر والأراجوز وغيرها من الفقرات التي احتشد لها المئات من أطفال وشباب قرية جروان،في يوم كان أشبه بالعيد،وأعلن خلال الافتتاح عن كامل دعم المركز القومي لثقافة الطفل لهذه التجربة الشابة الملهمة التى تعد نموذجًا يجب أن تحتذيه جميع قرى مصر، مؤكدًا أن وزارة الثقافة بكامل أجهزتها حريصة على دعم مثل هذه التجارب،بتوجيه مباشر من وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم التي تؤكد دائما دعمها لكل عمل ثقافي جاد يسهم فى بناء شخصية المواطن وتطوير وعيه.
في الافتتاح تبددت كل مخاوفي وفوجئت بما أدهشني حقًا،وأعاد لي ثقتي في إمكانية أن يكون للثقافة مكان في كل شبر على أرض مصر، مادام لدينا هذه الطاقات الشابة الواعية، وهؤلاء الناس الذين يؤمنون بقيمة وأهمية وضرورة العمل الثقافي.
فكرة بسيطة للغاية لكن مردودها سيكون كبيرًاإذا تم دعمها من كل الجهات المسئولة، وزارة الثقافة، وزارة الشباب والرياضة، وزارة التنمية المحلية،وأدعو الصديق أحمد درويش رئيس إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، الذي تتبع له المنوفية، إلى دعم هذا المركز بإقامة أنشطة ثقافية وفنية داخله بشكل مستمر، كما أدعو كل مثقف إلى دعم المركز بمالديه من كتب هو في غنى عنها.
نسيت أن أخبرك بشئ مهم، بالنسبة لي على الأقل، وهو أن قرية جروان هذه هي القرية التي تنتمي إليها عائلتي، وأنني عم هذه الشابة صاحبة الفكرة ،آيات عبدالدايم سعد حسان،ستقول آه بقى .. بتكتب عن قرايبك؟ وأقول لحضرتك : نعم وبكل فخر.