أنا عن نفسي لو حكى لي شعبان يوسف هذه الواقعة ألف مرة ماصدقت حرفًا واحدًا فيها،وحتى لو أقسم بجميع الأيمانات،سأظن أن لوثة عقلية أصابته من كثرة الكتب القديمة ،والحديثة، والبين بين ،التي يقرأها..سأقول ربنا يلطف بالرجل ..الكتب لحست عقله.
كان لابد أن أكون موجودًا بنفسي حتى أصدق هذه الواقعة التي لايمكن تحدث على كوكب الأرض أو الكواكب التي نعرفها أو التي لم نعرفها بعد.. طب تصدق.. أنا مش مصدق نفسي.. وأظن أن لوثة عقلية أصابتني أنا الآخر..أنا مؤهل لذلك والله.. تاريخي العائلي يرشحني لهذه المكانة الرفيعة ،التي سترفع عني الحرج إذا خرجت بلبوصًا إلى ميدان روكسي وأوقفت السيارات ،لأتيح فرصة عبور الشارع للمشاة، بعد أن أصر محافظ القاهرة على عدم تخصيص أماكن لعبورهم لأنه يسكن بالقرب من الميدان ومش عايز زحمة أمام عمارته!
عادة ما أعتذر عن عدم حضور الندوات وحفلات التوقيع وكل هذه الأنشطة السريالية، لكني خطفت رجلي إلى الدور العاشر في 33 شارع قصر النيل مجاملة لصديقي شعبان يوسف الذي كان يستضيفه صالون اسمه” علمانيون” للحديث عن كتابه المهم” المنسيون ينهضون”.. قلت منسيون ينهضون وصالون علمانيون.. تبقى ليلة فللي.. لست ضد العلمانيين ولا الشيوعيين ولاحتى الكفار.. كل واحد حر.. المهم أن يكون إنسانًا محترمًا وطبيعيا وغير مشبوه.
ومنذ أن وطأت قدماي المكان بدأ الفار يلعب في عبي.. ماغرفة العناية المركزة هذه التي دخلتها؟شابان طويلان عريضان كانا في استقبالي وهاتك ياأوامر: تليفونك مقفول أو صامت.. لاكلام ولاسلام.. ولاهمس..ولالمس.. حكاية عدم اللمس دي ضايقتني جدا.. علمانيون ومافيش لمس.. إزاي بقى؟ المهم أصابني الإحباط قليلا..وقلت بلاها لمس.. لكن الأوامر استمرت.. ممنوع المداخلات عشان بنصور .. وفي الآخر إللى عايز يعمل مداخلة يرفع إيده ويجي يقف أمام البانر إللى مكتوب عليه علمانيون ويتكلم.
شعبان يوسف تحدث كثيرا وقال كلاما ممتعا..من كثرة استمتاعي شعرت بالجوع هممت بتطليع ساندوتش كان في حقيبتي فنظر لي أحد الشابين نظرة ذات مغزى فأعدت الساندوتش إلى الشنطة.. حاولت الذهاب إلى الحمام لالتهمه هناك بعيدا عن الأعين فأشار إلى بيده أن اجلس مكانك فجلست وأنا اتصبب عرقا من شدة الرعب.
كنا فى غرفة عناية مركزة بالفعل وإن كانوا تجاوزوا عن دخولنا إليها بالأحذية.. استغربت جدا لماذا لم يأمروننا بخلع الأحذية خارج الغرفة كما هو متبع في جميع المستشفيات.
المهم أننا طوال جلسة العلاج كنا نخضع للتصوير الدقيق حتى أن أحد الأصدقاء من كثرة تصويره فى جميع الأوضاع طلب من الشاب ..عندما بدأ في تصوير حذائه.. أن يكف عن تصويره.. وكان هذا الطلب هو القشة التي قصمت ظهر البعير.. إذ صاح فيه الشاب بأعلى صوت ” ده الرولز بتاع الندوة ولو مش عاجبك اطلع بره..أنا الحقية لسه مش عارف ” رولز” يعنى إيه.. المهم أن الصديق قال مش عاجبني .. وهنا وقعت الواقعة وصاح الشاب : الندوة انتهت كله يطلع بره فورا.. وأخذ وضع الاستعداد لضربنا جميعا.
طلعنا جميعا طبعا بمن فينا شعبان يوسف الذي غادر المنصة وعلامات الاندهاش تكسو وجهه ويديه وساقيه وكل أجزاء جسمه الظاهر منها والمخفي.. وأنا عن نفسي كدت أضرب الشابين لكنى تراجعت .. كنت جائعا وعطشانا وأريد دخول الحمام.. يعني كان حيلي مهدودا تماما فقلت خليها فرصة تانية.. صدقنى ستأتي الفرصة وأفعلها.
أنا عندي عدة أسئلة :
مادور هذا الصالون، ومامصادر تمويله،وفي أي شئ ينفقها، وماالجهات التي تقف وراءه وتجعل العاملين فيه على هذه الدرجة من الإحساس بالقوة، ولماذ الحرص الشديد على تسجيل الندوة بهذه الدرجة من النقاء، وأين تذهب هذه التسجيلات، ولماذ كل هذه الصور التي تم التقاطها للضيوف حتى ولو على غير إرادتهم، وماعلاقة هؤلاء بالثقافة أصلا.. كان هناك عشرات من الأدباء والكتاب والإعلاميين ، وكان واضحًا أن المسئولين عن الصالون لايعرفون واحدًا منهم.. تبقى الحكاية مش حكاية ثقافة بقى!
مركز علمانيون أو صالون علمانيون لغز كبير في واقعنا الثقافي..لغز بماشاهدته بنفسي.. مطلوب من الجهات المسئولة عن مثل هذه الكيانات أن تحله لنا..نريد أن نعرف من يموله وماأهدافه.. أخشى أن نكون مخترقين من جهات غير معلومة تقف وراء هذا المركز .. أرجوكم سرعة الإفادة.. وقبل ماانسى .. كان الصديق الشاعر محمد الشحات قد جاء بعلبة حلويات تحية لشعبان يوسف لكن المسئولين عن المركز قالوا ممنوع تناول الحلوى.. ممكن تاخدوها تاكلوها فى الشارع وانتو نازلين.. وقام أحدهم بوضعها فى حجرة داخلية.. وفي غمرة انشغالنا بحكاية الطرد ومحاولة الاعتداء علينا نسينا علبة الحلوى.. نداء إلى المسئولين عن مراقبة أنشطة هذه الكيانات: إذا عجزتم عن معرفة من وراء هذا المركز ومعرفة أهدافه وإخبارنا بها.. فعلى الأقل عايزين علبة الحلويات.