مازال المجتمع أسير ظاهرة “التريند” التي تسيطر على عقول الكثيرين وأصبح الوصول الى أكثر عدد من الناس هو المعيار الأساسي ــ وربما الوحيد ــ عند مناقشة القضايا.. لايهم مدى مصداقية مايتم طرحه أو حالة الجدل التي تتفجر أو حتى الصدام مع ثقافة المجتمع الراسخة أو التي كانت كذلك قبل أن نغرق في بحور السوشيال ميديا التي أفرزت لنا ثقافة جديدة ومفردات ولغة خطاب لم نعتد عليها من قبل.
في الطريق لتحقيق تلك الغاية والوصول الى “التريند” لابأس من أن تفعل أو تقول أو تطرح ما تشاء دون اعتبار للمعايير الأخلاقية أو حتى الدينية، من الملابس الغريبة و”الخليعة”.. الى الأفكار الشاذة والمثيرة.. الى افتعال مواقف وحكايات و”خناقات” ليس لها أي أساس إذا لزم الأمر.
ولأن الموضوع أصبح مغرياً سواء من حيث أعداد المتابعين أو المردود المادي، فإن بعض وسائل الإعلام باتت تلجأ لنفس الأسلوب بنشر موضوعات أو عناوين مثيرة وخادعة على صفحاتها بوسائل التواصل لاحداث حالة من الجدل، ولاتضع في اعتبارها تأثير ماتنشره ــ أو خطره ــ طالما أنه يحقق الغرض.. إحدى الصحف المعروفة نشرت على إنستجرام تصريحاً لإعلامية “شهيرة” تقول فيه إنها بحثت في جميع النصوص الشرعية فلم تجد مايشير الى أن الحجاب فرض!!!
ورغم أن التصريح يتنافى مع صحيح الدين المعروف للقاصي والداني وسبق طرح هذه الرؤية “الشاذة” بمعرفة نفس الإعلامية وغيرها، وقام أهل التخصص بالرد عليهم في حينه بصورة واضحة تفند تلك المزاعم وتحسم الأمر لمن يريد أن يعي أو يفهم، إلا أن الصحيفة لم تجد بأساً في إعادة نشر التصريح المستفز والذي حقق المطلوب بإحداث حالة من الغضب “المتوقع” سواء على الإعلامية أو الصحيفة نفسها.. لابأس المهم هو الوصول لـ “التريند”.
النماذج متعددة وتستهوي الكثيرين ممن عرفوا قواعد اللعبة وينشرون فيديوهاتهم على “التيك توك” و”يوتيوب” وغيرها من المواقع، فزيادة المشاهدات يتم ترجمتها الى دخل مادي يسيل له اللعاب، وكلما كان الموضوع غريباً ومثيراً وشاذاً كلما زاد الإقبال وزاد الربح.
***
لايمر يوم إلا وهناك قضية جدلية أو مجموعة من القضايا يتم طرحها لاحداث حالة من البلبلة والإستفزاز لعباد الله، وأصبح من العادي جداً أن يفتي “كل من هب ودب”، من يعلم ومن لايعلم في مختلف القضايا وفي الدين مثل غيره من الموضوعات، بعد أن تحولت مواقع التواصل الى مايشبه “سوق عكاظ عصري” يطرح ــ ويعرض ــ فيه كل شخص مايريد دون أي قيود أو محاذير.
هذا الأمر أصبح مقرراً يومياً ويمكن فهمه واستيعابه والتعامل معه أما الذي لايمكن استيعابه فهو سعي بعض المشايح “رجال الدين” لمسايره الموضة والسعي خلف التريند ولو من خلال طرح موضوعات تتعارض مع صحيح الدين الذي درسوه ويعرفونه أو يجب أن يكونوا على دراية به وأكثر الناس حرصاً على الدفاع عنه.
أحدهم عاد للأضواء بعد طول غياب وهو الذي كان منذ سنوات معدودات ملء السمع والبصر ليتصدر التريد حول الحجاب “موضوع الساعة” بإعادة الجدل حول فرضيته، ورغم أن جميع الردود والتعليقات من المتابعين جاءت رافضة وبحسم لإعادة نشر تلك الفتن من جديد لكنه نجح الى لفت الأنظار والعودة الى الصورة من جديد وأن يقول لمن يهمه الأمر “نحن هنا”.. لعل وعسى.
وشيخ آخر “أو دكتور” اعتاد على تصدر التريند من بوابة اثارة الجدل بموضوعاته الغريبة يدعو العلماء الى البحث عن صيغة أو حلول للشباب لافراغ الأمر الجنسي خارج اطار الزواج على حد تعبيره، وهو طرح يؤدي الى مفسدة بين الشباب في زمن تغيب فيه القيم الأخلاقية بصورة ملحوظة باعتبار أنه صادر عن رجل دين!!
لقد أصبح مجتمعنا يعاني من مرض عضال اسمه التريند ينخر في جسد المجتمع وينذر بالخطر في ظل اتجاه عدد من المشايخ الى السير في الركاب وبصورة تتنافى مع جلال وأهمية الرسالة التي يحملونها ويدعون اليها، وهو أمر لايمكن تصوره أو التسامح فيه.
أيمن عبد الجواد
[email protected]