أفغانستان .. ماضٍ مظلم .. ومستقبل مجهول!!
كيف توفق طالبان بين التزاماتها للغرب “الديمقراطي” والتنظيمات المتطرفة؟؟
“التضاريس الإرهابية” المتباينة .. لا تختلف عن المعالم الجغرافية للبلاد!!
شبكة حقاني وتنظيم الدولة في خراسان والقاعدة .. تحالف وتناحر!!
“الثعلب” يتولى تأمين حظيرة الدجاج..!!
تقرير يكتبه
عبد المنعم السلموني
بعد ساعات من سحب الولايات المتحدة لقواتها وإنهاء حربها التي استمرت 20 عامًا في أفغانستان رسميًا، عقدت طالبان مؤتمرها الصحفي الأول كدولة “حرة وذات سيادة”. دخل مسؤولون من طالبان مطار حامد كرزاي الدولي. وقال المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد للصحفيين “مبروك لأفغانستان”. “هذا النصر لنا جميعًا”.
في مقاطع الفيديو الدرامية من مدرج المطار، كان مجاهد ومسؤولون آخرون من طالبان تحيط بهم القوات الخاصة للجماعة المعروفة باسم “وحدة بدري 313”. وقال مجاهد إن انتصار طالبان كان “درسًا للغزاة الآخرين” وكرر موقفهم من كونهم أكثر تسامحًا من أول فترة لهم في السلطة.
وقال مجاهد “أمريكا هُزمت .. وباسم أمتي، نريد علاقات جيدة مع بقية العالم”، مضيفًا أنهم سيحمون “الحرية والاستقلال والقيم الإسلامية” للأفغان.
وظهرت تقارير حول انتهاء طالبان من المشاورات بشأن حكومتها الجديدة بعد ساعات فقط من المؤتمر الصحفي، لكن لم يتم الإعلان عن التفاصيل بعد.
وغرد زعيم طالبان الآخر، أنس حقاني، عن الانسحاب وقال إنهم صنعوا “التاريخ مرة أخرى”. قال شقيق سراج الدين حقاني، الذي يقود شبكة حقاني، وهي “فصيل طالبان المدمر”، “أنا سعيد للغاية لأنه بعد 20 عامًا من الجهاد والتضحيات والمصاعب، أشعر بالفخر لرؤية هذه اللحظات التاريخية”.
الآن، بعد رحيل القوات الأمريكية وسيطرة طالبان على معظم أراضي أفغانستان، هل يعود الهدوء والاستقرار إلى بلد لم يعرف الهدوء على مدى أكثر من أربعة عقود؟؟ وهل تنجح طالبان في تشكيل حكومة ترضي مختلف الأطياف المتشددة في البلاد؟؟ ولو تمكنت من ذلك، هل يكتب الاستقرار والنجاح والاستمرارية لأي ائتلاف حكومي في أفغانستان؟؟ وهل تستطيع أية حكومة جديدة منع التنظيمات المتطرفة من اتخاذ أفغانستان منصة لانطلاق العمليات الإرهابية ضد أمريكا والغرب؟؟
الهجوم الانتحاري على مطار حامد كرزاي والفندق في كابول، يعطي مؤشرًا مبكرا على مستقبل أفغانستان المجهول ويستدعي ماضيها المظلم إلى الأذهان. لقد تولى ما يسمى بـ “تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان” مسؤولية الهجوم، لكن فصيل طالبان الذي يسيطر جزئيًا على الأمن في كابول، وهو شبكة حقاني، تحوم حوله الشبهات بالتعاون مع منفذي الهجوم وتسهيل مهمتهم.
ويرى تقرير لمجلة فورين بوليسي، أن “الهجوم المنسق يحمل جميع السمات المميزة لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان، بما في ذلك تورط العديد من المفجرين الانتحاريين، ولكنه، بشكل مقلق أيضًا، يحمل بصمات مميزة لشبكة حقاني التي تركز على إحداث خسائر بشرية كبيرة باستخدام أجهزة متفجرة متطورة وقوية. شبكة حقاني هي جماعة إرهابية محظورة دوليا ولها علاقات مع القاعدة. وغالبًا ما يقال إن هناك انقسامًا واضحًا بين تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان وطالبان، لكن الواقع المر للإرهاب والسياسة في أفغانستان هو أن الوضع ليس أبيض أو أسود أبدًا. يمكن للأعداء اللدودين قتال بعضهم البعض يومًا ما والتعاون لتحقيق مكاسب متبادلة في اليوم التالي. هذه المجموعات متشابكة ومترابطة. وتضمن الروابط القبلية والزواجية أن الانفصال الأيديولوجي لا يسبب انقسامات دائمة.”
ويشير تقرير لموقع فايس vice.com إلى أنه في اليوم التالي للهجوم شوهد خليل الرحمن حقاني، يؤم حشدا من المصلين في مسجد بولي خيشتي في المدينة القديمة بكابول يوم الجمعة. وكانت الولايات المتحدة قد رصدت مكافأة قدرها 5 ملايين دولار لمن يرشد عنه، وذلك لصلاته بعمليات القاعدة الإرهابية.
وخليل شخصية بارزة في شبكة حقاني، وهي منظمة مسلحة متحالفة مع كل من طالبان الأفغانية والقاعدة، وكانت تستهدف قوات التحالف والقوات الأفغانية. ابن أخيه هو سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني والإرهابي العالمي الذي رصدت الولايات المتحدة 10 ملايين دولار لمن يرشد عنه.
كانت الضربات الإرهابية سبب الغزو الأمريكي لأفغانستان عام 2001 الذي أطاح بنظام طالبان. وحسبما ذكر تقرير لـ”وول ستريت جورنال”، فمع عودة طالبان بعد 20 عامًا من الحرب، يحذر بعض المراقبين من أن البلاد ستصبح مرة أخرى أرضًا خصبة للجماعات الإرهابية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
اللافت للنظر أنه، قبل ساعات من إعلان طالبان تشكيل إمارة أفغانية إسلامية، التقى خليل والوفد المرافق له مع عبد الله عبد الله، مبعوث السلام الرئيسي في الحكومة المخلوعة، الذي أشار لاحقًا، علنًا، إلى أن خليل قد تولى مسؤولية الأمن في كابول. هذه الخطوة وصفها البعض بأنها تشبه “تكليف الثعلب بتأمين حظيرة دجاج”. كما التقى زعيم رئيسي آخر في شبكة حقاني، وهو أنس حقاني، مع عبد الله في كابول إلى جانب أحد قادة طالبان.
ومع ذلك، فإن وجود أفراد من شبكة حقاني يثير أيضًا احتمالية عودة الجماعات الجهادية الأجنبية، مثل القاعدة، إلى أفغانستان، في انتهاك مباشر للوعود التي قطعها قادة طالبان “بعدم السماح لأي من أعضائها، أو من الأفراد أو الجماعات، باستخدام أراضي أفغانستان لتهديد أمن الولايات المتحدة وحلفائها “.
وكان تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد ذكر في يونيو الماضي أن شبكة حقاني “هي حلقة الوصل الرئيسية بين طالبان والقاعدة” … ” وهكذا فإن ظهور تلك الجماعات في كابول أضعف الثقة في مزاعم طالبان بتبني أسلوب قيادة أكثر اعتدالاً.
ماذا عن علاقة الدولة الإسلامية في خراسان بطالبان؟
كلا المجموعتين من السنة المتشددين، ولكن لا يوجد وفاق بينهما. لقد اختلفت المجموعتان في تفاصيل الدين والاستراتيجية، في حين ادعت كل منهما أنها حاملة الراية الحقيقية للجهاد.
وفي مؤشر على العداء بين الجماعتين، أشارت بيانات تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان إلى عناصر طالبان على أنهم مرتدون، الأمر الذي يشي بصعوبة التوصل إلى اتفاق أو توافق بين الطرفين، بل ربما ينبئ بصراع قادم بينهما!
وليس أدل على ذلك من أنه بعد سقوط كابول في أيدي طالبان، نشر تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان تعليقًا، اتهم فيه طالبان بخيانة الجهاديين باتفاق الانسحاب الأمريكي وتعهد بمواصلة قتالها، وفقًا لمجموعة سايت إنتليجنس جروب، التي تراقب الاتصالات الإرهابية. بالتالي، فإن قدرة واستعداد طالبان لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان ستكون اختبارًا حاسمًا لتلك المهمة ومحددًا رئيسيًا لما إذا كانت ستنجح في الحصول على الاعتراف الدولي الذي تتوق إليه.
ويشير تقرير لموقع إن دي تي في NDTV.COM، إلى ان رد فعل الدولة الإسلامية في خراسان على انتصار طالبان في أفغانستان لم يكن جيدًا، حيث هنأها عدد من الجماعات الجهادية في العالم، فيما عدا الدولة الإسلامية في خراسان، التي تريد إقامة خلافة عالمية بدلاً من التركيز على حكم أفغانستان.
ويشتبه في وجود صلات لتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان بشبكة حقاني، التابعة لطالبان، والتي تضم فصائل متعددة تبدو متحالفة ولكنها غالبًا ما تكون متناحرة وعلى خلاف مع بعضها البعض. وأشار تقرير للأمم المتحدة صدر في يونيو من العام الماضي إلى أن معظم الهجمات التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان أظهرت درجة معينة من “المشاركة، والتسهيل، أو تقديم المساعدة الفنية” من قبل شبكة حقاني.
ماذا سيحدث بعد رحيل الغرب؟ تسعى طالبان للحصول على الاعتراف الدولي. لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صرح بأن التفاوض مع طالبان حول الإجلاء من أفغانستان لا يعني الاعتراف بها، ومعنى ذلك أنه لا التفاوض ولا السيطرة على أفغانستان يمثل مؤهلًا كافيًا للاعتراف الغربي بطالبان. وربما كان الغرب يريد من طالبان الدخول في صراعات مع الجماعات الإرهابية الأخرى في البلاد لكي تحظى بحكم أفغانستان، مع التزامها بممارسة الحكم وفقًا لمعايير الديمقراطية الغربية، إلى جانب إعطاء المرأة حقوقها بالمفهوم الغربي.
هذه الخريطة ذات البقاع والتضاريس الإرهابية المتباينة، لا تختلف كثيرًا عن التضاريس والمعالم الجغرافية لأفغانستان.
ويبدو واضحًا، حسبما يرى تقرير لمجلة فورين أفيرز أن احتلال أفغانستان أو السيطرة على أراضيها أسهل كثيرًا من ممارسة الحكم فيها..!!