أصدر المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” دراسة بعنوان “قراءة فى المشكلة السكانية فى مصر..وحلول مُقترحة لمواجهتها” تناولت واقع وخطورة المشكلة السكانية فى مصر كونها التحدى الأكبر الذى يقضى على ثمار التنمية والعائق الأول أمام تحقيق خطة الدولة المصرية لرفع جودة حياة المواطن خاصة فى ظل الجمهورية الجديدة التى تستهدف تغيير واقع المصريين إلى الأفضل.
قامت الدراسة التى تم نشرها على الموقع الإلكترونى للمنتدى www.Draya-eg.org برصد مؤشرات المشكلة السكانية وأسبابها وأبرز تداعياتها على مختلف المستويات، وجهود الدولة لمواجهتها، إلى جانب تقديم مجموعة من المقترحات لمحاولة حل هذه المشكلة التى تتفاقم يوما بعد يوم.
أشارت الدراسة إلى أن عدد سكان مصر بلغ فى 12 سبتمبر 2022 نحو 103 ملايين و908 ألف و 590 نسمة وذلك وفقا للساعة السكانية التابعة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وسلطت الضوء على إجمالي أعداد السكان بالتعدادات المختلفة للوقوف على حجم الزيادة المطردة فى الأعداد خلال السنوات الأخيرة.
أوضحت الدراسة أن عدد السكان وفقا لتعداد عام 2006 بلغ نحو 72.6 ، والتعداد الذى يليه فى عام 2017 بلغ عدد السكان نحو 94.8 مليون نسمة، أى بزيادة تُقدر بنحو 22 مليون نسمة فى 11 سنة فقط (2متوسط مليون سنويا)، بينما كان عدد السكان فى تعداد 1986 نحو 48.2 مليون نسمة، ووصل فى التعداد الذى يليه فى عام 1996 نحو 59.31 مليون نسمة، أى بزيادة حوالي 11 مليون نسمة فى 10 سنوات (متوسط مليون سنويا).
ذكرت الدراسة أنه بالرجوع إلى تعداد 1927، بلغ عدد السكان نحو 14.18 مليون نسمة، والتعداد الذى يليه فى عام 1937 بلغ العدد نحو 15.92،أى بزيادة 1.74 مليون نسمة فقط فى 10 سنوات.
من جانبه، أكد د. صلاح هاشم رئيس منتدى “دراية” أن عدد السكان شهد تطورا كبيرا وتضاعف خلال سنوات قليلة لتصبح مصر الدولة الأكثر سكانا في العالم العربي وثالث أكثر الدول اكتظاظا بالسكان في إفريقيا (بعد نيجيريا وإثيوبيا)، والدولة رقم 14 على مستوى دول العالم من حيث عدد السكان.
كشف “هاشم” أنه من المتوقع أن يصل عدد سكان مصر في عام 2030 إلى قرابة 120 مليون نسمة، مما يجعلها مساوية لعدد سكان 15 دولة أوروبية ذات كثافة سكانية ضعيفة أو متوسطة، مشيراً إلى أن هناك بعض الدراسات التى تتوقع أن يصل عدد سكان مصر بحلول عام 2050 نحو 153.4 مليون نسمة، وبنهاية القرن الحادي والعشرين سيصل إلى 198.7 مليون نسمة أو ما يعادل أكثر من ضعف سكان مصر عام 2015.
كما أكد د. صلاح هاشم أن النمو الاقتصادي ينبغي أن يكون ثلاثة أضعاف معدل النمو السكاني كي يكون قادرًا على خلق الوظائف اللازمة للجيل الجديد، وهذا يعنى أن معدل النمو السكاني فى مصر والذى وصل إلى 2.56% خلال الفترة من 2006- 2017 ، يحتاج إلى نسبة نمو اقتصادي تتجاوز 7.5% سنويا حتى يستطيع المواطن أن يشعر بثمار التنمية، موضحا أن الزيادة الهائلة فى أعداد المواليد تُعيق إمكانيات وقدرات أى دولة فى العالم..
أوضحت الدراسة أنه فى ضوء بيانات البنك الدولي، بلغ معدل النمو الاقتصادي فى عام 2020 نحو 5.6%، وتراجع فى عام 2021 ليصل إلى 3.6%، ومع توقع الحكومة المصرية بتحقيق معدل نمو اقتصادي يصل لـ 5.5% خلال العام المالي 2022-2023، علما بأن النمو بلغ نحو 6.6% لآخر بيانات وزارة التخطيط، إلا أن النمو الاقتصادي لايزال غير كاف لمواكبة النمو السكاني وتُعد بعيدة عن النسبة المطلوبة كي تناسب الزيادة السكانية، الأمر الذى يصعب معه شعور المواطن المصرى بتحسن رغم جهود الدولة الكبيرة لتحقيق تنمية اقتصادية تُسهم فى تخفيف العبء على المواطن وتوفير حياة كريمة له.
تناولت الدراسة بالتفصيل أسباب المشكلة السكانية والتى جاء فى مقدمتها الزيادة الطبيعية حيث بلغت نحو 15.6 فى الألف لإجمالي الجمهورية عام 2020، فى حين أن المعدل العالمي للزيادة الطبيعية بلغ 10.37% وفقا للبنك الدولي. وبلغ عدد المواليد 2.235 مليون مولود عام 2020، وبلغ معدل المواليد 22.2 فى الألف عام 2020.
تتزامن الزيادة الطبيعية مع زيادة متوسط العمر المتوقع حيث ساهم ارتفاع معدلات البقاء على قيد الحياة فى تفاقم مشكلة السكان، حيث إن توقع البقاء على قيد الحياة وصل إلى 75.9 للإناث و 73.4 للذكور عام 2020 مقابل 73.3 للإناث و70.5 للذكور عام 2016، هذا إلى جانب طبيعة التركيبة السكانية فى مصر والتى تتسم بارتفاع معدلات الخصوبة.
أشار المسح السكاني الصحى لمصر 2014 إلى ارتفاع المعدل الإجمالى للخصوبة من 3 أطفال لكل امرأة فى عام 2008 إلى 3.5 طفل لكل امرأة فى عام 2014 ، الأمر الذى أدى بدوره إلى ارتفاع نسبة السكان في الفئات العمرية أقل من 15 عاماً حيث بلغت نسبتهم نحو 34.3% من إجمالى التركيب العمري لأفراد الأسر.
أكد د. صلاح هاشم رئيس منتدى “دراية” على أن الخطر من الزيادة السكانية لا يقتصر فقط على حجمها بل في التركيبة العمرية لهذه الزيادة، فعندما يكون هناك أكثر من 36 مليون نسمة من السكان أقل من 15 سنة أى قرابة ثلث سكان مصر، فإن هذا يؤدي إلى اتساع قاعدة الهرم السكاني وإلى ارتفاع معدلات الإعالة الديموجرافية مما يشكل بدوره عبئا كبيرا على الأسر وعلى الدولة في توفير احتياجاتهم من التعليم والصحة والغذاء وغيرها من الاحتياجات الضرورية، ويعتبر عائقا أمام تحقيق النمو الاقتصادي.
أشارت الدراسة إلى أبرز تداعيات المشكلة السكانية، ومن بينها تدنى الخصائص السكانية التى تشمل التعليم والصحة والبطالة والتوزيع غير المتكافىء للسكان، إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر خاصة فى الريف عن الحضر، وفي الصعيد مقارنة بالدلتا، حيث بلغت نسبة الفقر فى ريف الوجه القبلي 42.8% وفى ريف الوجه البحري 23.1 %، بينما بلغت 12% فى حضر الوجه القبلي، مقابل 4.4 % فى حضر الوجه البحري.
كما ألقت الضوء على جهود الدولة المخلصة لمواجهة مشكلة السكان حيث اتخذت العديد من الإجراءات والمبادرات والبرامج، وعلى رأسها إطلاق الاستراتيجية القومية للسكان (215-2030)، وإطلاق الاستراتيجية القومية لتنمية الأسرة المصرية فى فبراير 2022، فضلا عن التوسع فى برامج الحماية الاجتماعية والتى كان آخرها إضافة مليون أسرة لبرنامج الدعم النقدي المشروط “تكافل وكرامة”، وصرف مساعدات استثنائية لـ ٩ ملايين أسرة خلال ٦ شهور.
أخيرا قامت الدراسة بتقديم عدة مقترحات يُمكن لصانعي القرار أخذها بعين الاعتبار لمواجهة المشكلة السكانية فى مصر، وكان أبرزها ما يلى:
1- إنشاء وزارة للسكان تكون معنية بضبط أداء النمو السكانى وتحسين الخصائص السكانية للمصريين.
2- وضع استراتيجية عاجلة ومُوحدة قابلة للتطبيق لضبط معدلات النمو السكانى والاهتمام بوضع ” خفض معدل الزيادة السكانية ” كهدف قومى تتعاون كافة أجهزة الدولة فى تحقيقه.
3-وضع “الفرصة الديموجرافية” الحالية للهيكل السكانى فى مصر فى أولويات الاستراتيجية الموحدة لضبط النمو السكانى واستغلالها بالشكل الأمثل.
4- إحداث عملية خلخلة سكانية واقعية وحقيقية لإنهاء تكدس السكان حول وادى النيل ودلتاه والانتقال إلى المدن والعواصم الجديدة التى أقامتها الدولة فى الأعوام الأخيرة والتى وصلت إلى 30 مدينة جديدة بمساحة 580 ألف فدان، وبإجمالى استثمارات 690 مليار جنيه.
5- وضع سياسة واضحة لتحسين الخصائص السكانية لتحقيق الاستفادة القصوى من الثروة البشرية فى عملية التنمية المستدامة.
6- تنظيم حملة إعلامية موسعة من خلال وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل الاجتماعى ورسم سياسة للإعلام السكانى تستهدف رفع الوعى المجتمعى حول مخاطر الزيادة السكانية وكيفية السيطرة على خفض معدلات الإنجاب.
7- توفير التمويل الكافى والمستدام لضمان التغطية الكاملة لوسائل منع الحمل وإتاحتها بالمجان، وإرشاد السيدات بسبل استخدامها.
8- رفع كفاءة خدمات تنظيم الأسرة المتاحة في العيادات الحكومية والخاصة.
9- تشجيع منظمات المجتمع المدني للقيام بدور أكثر فعالية فى توفير الخدمات والمشورة فى المناطق النائية، ورفع وعى المواطنين بمخاطر الزيادة السكانية.
10- تبنى خطة توعوية وثقافية شاملة لتصحيح المفاهيم والمعتقدات الاجتماعية والدينية الخاطئة حول مفهوم تنظيم الأسرة مع التأكيد على أنه لا يتعارض مع القيم الدينية والثقافية.