أصدر المنتدى الاستراتيجى للسياسات العامة ودراسات التنمية “دراية” ورقة بحثية بعنوان “ظاهرة الطلاق فى مصر..الأسباب والتداعيات وسُبل المواجهة” ترصد واقع الزيادة الكبيرة فى معدلات الطلاق، وتسلط الضوء على أسبابها، وتداعياتها على المجتمع المصري، فضلا عن جهود الدولة لمواجهة هذه الظاهرة. كما تقدم الورقة بعض التوصيات التى يمكن لصانع القرار وضعها فى الاعتبار لإعادة الاستقرار للأسرة والمجتمع.
تناولت الورقة البحثية قراءة تفصيلية فى مؤشرات الطلاق فى مصر التى شهدت ارتفاعا غير مسبوق يهدد تماسك واستقرار المجتمع بأسره، وينذر بإهدار موارد الدولة وضياع لأى جهود تستهدف تحقيق التنمية المستدامة ورفع جودة حياة المواطن المصرى.
أشارت الورقة البحثية إلى أن عدد حالات الطلاق عام 2021 سجل زيادة هائلة مقارنة بعام 2020 ، بلغت نسبتها 14.7%، حيث بلغ عدد حالات الطلاق خلال عام 2021 نحو 254 ألف و 777 حالة عام 2021 ، مقابل 222 ألف و36 حالة عام 2020 ، فيما قفزت أحكام الطلاق النهائية بمقدار 38.4% ووصلت إلى 11 ألف و194 حكماً عام 2021، مقابل 8 آلاف و86 حكماً عام 2020 .
كما أوضحت أن معدل الطلاق عام 2021 بلغ نحو 2.5% بعدما كان 2.2% عام 2020، و2.1 عام 2017، وأكدت ارتفاع معدلات الطلاق فى الحضر عن مثيلاتها فى الريف حيث بلغت فى الحضر 3.3 لكل ألف من السكان، بينما بلغت فى الريف 1.9 لكل ألف من السكان.
أشارت الورقة البحثية إلى وقوع حالة طلاق واحدة كل دقيقتين عام 2021، و29 حالة طلاق كل ساعة، مقارنة بـ23.7 حالة طلاق عام 2017، بمتوسط ارتفاع 5.4 حالة فى ساعة، موضحة أن أكبر نسبة طلاق سُجلت فى الفئة العمرية ما بين (30-35) سنة، بينما سُجلت أقل نسبة طلاق فى الفئة العمرية (65 سنة فأكثر) حيث بلغ عدد الإشهادات 1637 إشهادا بنسبة 0.7% من جملة الإشهادات.
من جانبه، أكد د. صلاح هاشم رئيس منتدى “دراية”، أن المجتمع المصري يعيش واقعا جديدا يتسم بتسارع وتيرته فى ظل التطور التكنولوجى والمادى الذى يطغى على النسق القيمى والمبادىء التى نشأت عليها الأجيال السابقة، فوجد الشباب أنفسهم أمام أفكار وتوجهات جديدة تطغى عليها الوحدة والعزلة وافتقاد الدفء الأسرى والترابط المجتمعى، وهو ما أدى بدوره إلى تنامي معدلات الطلاق بشكل غير مسبوق يُنذر بحدوث خلل فى المجتمع ويهدد بتفككه.
أوضح هاشم أن أسباب الطلاق شديدة التنوع والتعقيد وأبرزها الضغوط الاقتصادية، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والعنف الأسري ، إلى جانب الفروق الثقافية والاجتماعية وتدخل الأهل فى حياة أبنائهم وتراجع القدرة على تحمل مسئولية لدى الأجيال الأحدث، مؤكدا أن تداعيات تزايد معدلات الطلاق على الأسرة والمجتمع خطيرة للغاية وفى مقدمتها تزايد معدلات الجريمة وزيادة معدلات التسرب من التعليم، وشيوع مشاعر الاحباط والاكتئاب واختلال النسق القيمى للمجتمع.
أشاد رئيس منتدى “دراية” بالجهود التى تبذلها القيادة السياسية والأجهزة المعنية لمواجهة ظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق والتى كان أبرزها إطلاق المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية الذى يستهدف تحقيق التمكين الاجتماعي والاقتصادي للأسر والاهتمام بالأبعاد الثقافية والتعليمية والتوعوية، إلى جانب مشروع “مودة” الذى أطلقته وزراة التضامن الاجتماعي بهدف تأهيل الأشخاص المقبلين على الزواج من الجنسين وإعدادهم للبدء فى حياة زوجية ناجحة وذلك من خلال التأهيل النفسى والصحى والاجتماعى.
كما أشار هاشم إلى “صندوق تأمين الأسرة” الذى أُنشئ بموجب القانون 11 لسنة 2004 تحت إشراف بنك ناصر الاجتماعى، بهدف مساعدة الأسر التى هجرها عائلها بلا منفق حيث يضمن سرعة تنفيذ الأحكام الصادرة بتقرير النفقات والأجور وما في حكمها لصالح المستفيدين من الزوجة أو المطلقة أو الأولاد أو الوالدين، فضلا عن حملة “وعاشروهن بالمعروف” التى أطلقها الأزهر بهدف خفض معدلات الطلاق وحماية الأطفال من تداعياتها السلبية.
شدد هاشم على أهمية تنظيم حملة إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعى لتوعية الشباب وتثقيف المقبلين على الزواج حول واجبات الزوجين وحقوقهما، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدنى في توعية الأسر بمخاطر الطلاق وآثاره السلبية على الأبناء والمجتمع، إلى جانب إلزام المقبلين على الزواج بالحصول على دورات “مودة” لإعداد المقبلين على الزواج.
من بين التوصيات التى قدمتها الورقة البحثية لـ”دراية” لمواجهة تنامي ظاهرة الطلاق، تضمين المناهج التربوية مواد تهتم بالثقافة الأسرية وحقوق وواجبات كل طرف وذلك بما يتناسب مع كل مرحلة دراسي، وإجراء المزيد من الدراسات المتخصصة بشأن التحولات التى شهدها المجتمع المصرى وما تبع ذلك من تأثيرات على الأفراد والمجتمع بشكل عام، ووضع الحلول التى تحفظ للمجتمع تماسكه واستقراره، فضلا عن الإعداد الجيد والتدريب المستمر للأئمة والخطباء والوعاظ بهدف التوعية الأسرية وبيان أهمية الاستقرار الأسري للمتزوجين حديثًا والمقبلين على الزواج.