عاش أياماً معدودات فيما يشبه الحلم وسرعان ما استيقظ على الواقع المر، كالذي التقى مارداً خرج للتو من الفانوس السحري وتعهد بأن يلبي له عدة طلبات “أوامر”، بشرط أن يعيده بعدها لحياته القديمة بما فيها من بؤس وشقاء.
فجأة تغيرت حياته مائة وثمانين درجة، من عشاء فاخر بصحبة فنان مشهور كان لايراه إلا في أفلام السينما.. الى دنيا الشهرة حيث اللقاءات الإعلامية لاتنقطع والحديث عن تعاقدات وفرص عمل ربما تحقق له الملايين.. الى الظهور في مناسبات مختلفة وأجواء لم يكن يتخيلها حتى في أحلام اليقظة.. ثم انفض المولد وذهب كل شيء لأن المارد اشترط عليه من البداية أن يعيده الى حياته السابقة بكل مافيها من تعب ومشقة “وقضايا” لم تسقط لمجرد أنه دخل عالم الأضواء والشهرة.
في أفلام الأبيض والأسود التي تناولت مثل هذه الحكايات “المسلية” بشيء “أو بكثير” من الخيال تصور لنا فكرة العودة للحياة القديمة بأشخاصها وأحداثها التي يعتقد البطل أنه تجاوزها بمساعدة “الجني” ليتحول الأمر الى كابوس مزعج لايمكن تصوره، وفي الواقع المعاش ربما لاتختلف الصورة كثيراً، فما أصعب أن تترك النعم أو بالأحرى تتركك هي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ من تبدل الأحوال وزوال النعم.
لقد عاش الناس مع “محمد” عامل النظافة والمعروف إعلامياً بصاحب واقعة الكشري حياته الجديدة لحظة بلحظة، ومابين الغيرة أو الشفقة انتقده كثيرون ورأوا أنه يستغل ظروفه أو يتاجر بها لتحقيق أكبر استفادة ممكنة، بينما تعاطف معه قليلون بإعتباره ضحية يتم استغلاله والتلاعب به من كل الأطراف والدليل تهربهم منه بعد انقضاء الغرض وتحقيق الهدف.
“محمد” مثل آلاف أو ملايين الشباب.. كان لديه حلم لتغيير واقعه والإنتقال من عالمه المفروض عليه الى عالم أكثر سعة وثراء، وهو حلم مشروع بشرط أن تكون الوسيلة مشروعة وليس عبر الفانوس السحري الذي يلبي طلباته ويحقق أحلامه دون أي تعب أو مجهود، فهذا المارد غير موجود إلا في الأفلام الخيالية.
تحقيق الأحلام ليس له إلا طريق واحد، الجد والإجتهاد والعمل الدؤوب المتواصل، ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي في قصيدته الرائعة التي أبدعت في أدائها كوكب الشرق أم كلثوم “ومانيل المطالب بالتمني/ ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً.. وما استعصى على قوم منال/ إذا الإقدام كان لهم ركاباً”.
هذا الكلام ينطبق على “محمد” وغيره، فما أكثر من يعيشون في أحلام اليقظة بعيداً عن الواقع ينتظرون أن يطرق الحظ بابهم، وهؤلاء في الغالب لايحققون شيئاً ويظلون في مكانهم في انتظار مجهول لن يأتي أبداً.
تغريدة:
وسط حالة الغلاء التي نعيشها تظهر بشدة أهمية المشاركة المجتمعية خاصة بالنسبة للفئات المهمشة مثل عمال النظافة وغيرهم من أصحاب الدخول المحدودة، وهو واجب أكثر من أي وقت مضى على من أنعم الله عليهم بالنجومية وسعة الرزق، بشرط أن يكون ذلك في السر ولايتم المتاجرة بالفقراء وفضحهم على الملآ لكسب تعاطف الجماهير .