ماذا جرى في الدنيا، ولماذا تحول مفهوم العائلة عن مساره، من حضن دافيء يلملم الشتات ويرمم الجراح ويبعث الطمأنينة في النفوس، الى مكائد وخطط وحيل شيطانية للنيل من أقرب الناس.. لماذا اختل المعنى في النفوس خاصة بالنسبة للأجيال الجديدة، التي لم تعد ترى العائلة أكثر من ديكور لزوم التباهي في الأفراح والمناسبات المختلفة؟!
زمان كانت القصة مختلفة، مثل الكثير من الأمور و”القصص” التي باتت من التاريخ، كنا لانعرف الفارق بين بيوتنا وبيوت أقاربنا، فالمشاعر واحدة ــ وصادقة ــ لازيف ولاخداع ولا وسائل تواصل تهد وتقطع الأواصر وتزكي الغيرة في النفوس.. كنا نعرف قيمة ومكانة الكبير، لأننا نشأنا على ذلك وحصلنا على جرعة كافية من التربية السليمة في البيت والمدرسة.
الحكاية لاتقتصر على الحوادث التي نقرأ عنها ونشاهدها يومياً سواء التي تتناول جرائم القتل بسبب المشاكل العائلية كالميراث وغيره أو التفكك الأسري وانهيار فكرة العائلة من الأساس، فهذه الحوادث ــ مع كثرتها ــ تمثل استثناء.. الموضوع في تصوري أكبر من ذلك لأنه احترق القاعدة العريضة وطال عصب العائلة فلم نعد كالبنيان المرصوص.
لو سألت عشرة أشخاص عن مفهوم العائلة بالنسبة لكل واحد منهم، لإختلفت الإجابة من فئة عمرية لأخرى، ومن جيل الى جيل، فما كان من المسلمات ــ والمقدسات ــ في الماضي أصبح من التاريخ حيث غابت عن شبابنا الكثير من القيم الأخلاقية التي تشكل العمود الفقري لمفهوم العائلة، بعد أن أصبحت الحسابات كلها ترتبط بالأمور المادية.
الأسباب التي أوصلتنا الى هذه الحالة كثيرة ومتعددة من التغير ــ أو الإنهيار الثقافي ــ الذي يعيشه شبابنا بسبب تراجع مستوى الإهتمام بالمؤسسات التعليمية من ناحية أوغياب التربية الصحيحة بالبيوت والمدارس لتختفي كلمات العيب والأصول “وربما الحرام” من ناحية أخرى.
معظم الآباء والأمهات مهمومون ومشغولون وتاهوا في دوامة الحياة لتلبية احتياجات الأبناء من طعام وملابس وعلاج ومصرفات مدارس وجامعات أصبحت بعشرات الآلاف ــ وربما أكثر ــ ونسوا أو أجبروا على التخلي عن القيم التي نشأوا هم عليها والتي تحترم الكبير وترحم الصغير وتعطي الناس أقدارهم وتنزلهم منازلهم.
صورة العائلة الآن اختلفت بصورة جذرية عن أيام زمان، المفاهيم اختلت ومعايير العيب تاهت وسط غزو الثقافة الأمريكية وأصبحت مثل الوجبات السريعة شهية وتضر بالصحة، ففي الوقت الذي تمنح أبناءك “طعام دب” لاتملك بضع دقائق لتعلمهم أول درس تعلمناه في الصغر ويتمثل في الإحترام وعدم الخروج عن الأخلاق والقيم والنبيلة.
عذراً على الإسهاب في هذا الموضوع ولكن مانسمعه ونقرأه يومياً من حوادث العقوق يشيب لها الولدان وتستحق وقفه من الأسرة أولاً ومن المؤسسات التربوية ثانياً لنبحث عن الوسائل التي تعيد التماسك الى العائلة لأن انهيارها وتفككها يلغي كل الخطوط الحمراء ويمثل أكبر خطر يهدد المجتمع.
***
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ان الله تعالى خلق الخلق، حتى اذا فرغ منهم قامت الرحم، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟، قالت بلى .. قال: فذلك لك.. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرأوا ان شئتم “فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ــ الآيتان 22و 23 من سورة محمد”) متفق عليه.
وفي رواية البخاري “فقال الله تعالى : من وصلك وصلته، ومن قطعك قطعنه.