ربما تكون الدورة الخامسة والثلاثون للمؤتمر العام لأدباء مصر، التي استضافتها محافظة الوادي الجديد ، وانتهت السبت الماضي، من أكثر الدورات جدية وتنظيما ونجاحا.
هذه الدورة التي رأسها الكاتب الكبير محمد سلماوي، وتولى أمانتها العامة الكاتب د. حمدي سليمان، وعقدت تحت رعاية د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة،واللواء د. محمد الزملوط محافظ الوادي الجديد،توافرت لها كل الإمكانات اللازمة لتخرج بهذا الشكل الاستثنائي،دورة ناجحة وحيوية وبلا مشاكل تقريبا.
اعتدنا في أغلب دورات المؤتمر حدوث العديد من المشاكل والاضطرابات، مشاكل تخص الانتقال والإقامة أو الفعاليات، أو غيرها مما ينغص على المنظمين ، وكذلك الأدباء، عيشتهم، لكن هذه المرة تعاملت الهيئة العامة لقصور الثقافة مع المؤتمر بما يمكن وصفه بـ “الذكاء والمحبة”، فهي المرة الأولى التي يتواجد فيها رئيس الهيئة ،ورئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، ومدير عام الثقافة العامة ، في مكان المؤتمر قبل انعقاده بأربعة أيام، للاطمئنان على أن كل شئ يسير على مايرام،والمرة الأولى أيضا التي يحرص فيها رئيس الهيئة على استقبال الأدباء بنفسه، والتحاور معهم وحل أي مشاكل تواجههم، والمرة الأولى كذلك التي ينسب فيها رئيس الهيئة نجاح المؤتمر للأدباء والجهد الذي قاموا به.
تعامل الفنان هشام عطوة مع مؤتمر أدباء مصر وكأنه واحد من هؤلاء الأدباء،مشغول بنجاح المؤتمر وراحة ضيوفه، ولم يترك صغيرة أو كبيرة إلا واهتم بها، وهو ماكان له أثره الكبير على كل فعاليات المؤتمر، وإذا كانت الجلسة الختامية لأغلب المؤتمرات، وهي جلسة إعلان التوصيات،لاتمر إلا في وجود مشاكل واعتراضات وصخب من هنا وهناك، فإن الجلسة الختامية لهذا المؤتمر مرت هادئة ومحاطة بالمحبة، فلاخلافات أو مشاحنات حول أي توصية من التوصيات ، التي جاءت قوية ومهمة ومرضية لكل مشارك في المؤتمر.
على نفس النهج سار الشاعر الكبير مسعود شومان وفريق عمله، جهد كبير بذله قبل انعقاد المؤتمر وأثناء انعقاده،حركة دائبة ودائمة، وتنظيم صارم للفعاليات،وأنشطة غير تقليدية على الهامش كحفل السيرة الهلالية ، وحفل المنشد محمود ياسين التهامي، ومطبوعات في غاية الأهمية، واستجابة لكل طلب مشروع من هذا الأديب أو ذاك، فهو أولا وأخيرا واحد من هؤلاء الأدباء وخرج من بينهم..عندما شاهد هشام عطوة هذه الجهود المبذولة قال لي “مسعود شومان وعبده الزراع وغيرهما من أبناء الهيئة كانوا من المستبعدين،اليوم أيقنت أنني كنت محقا في استعادتهم لبيتهم، فهم أقدر الناس على معرفة شئونه وإدارته”، وأنا قلت عندك حق تماما.
الدورة التي حملت اسم الراحل الكبير د. شاكر عبدالحميد،كانت دورة تليق به فعلا، فإذا كانت الهيئة العامة لقصور الثقافة قد بذلت كل هذا الجهد لإنجاحها، فقد بذلت الأمانة العامة للمؤتمر هي الأخرى جهدا كبيرا في الإعداد للدورة، واختارت مجموعة من الباحثين المهمين للمشاركة في الجلسات البحثية والموائد المستديرة وغيرها.
إقامة المؤتمر في الوادي الجديد، تلك المحافظة النائية، كانت مغامرة غير مأمونة العواقب،لكن حماس اللواءد. محمد الزملوط واهتمامه بإنجاح الدورة،بدد كل المخاوف، وقدم الرجل كل الدعم الممكن للمؤتمر، وبذل، ومعه نائبته حنان مجدي، كل الجهد اللازم للعمل على راحة المشاركين وانتظام فعاليات المؤتمر، ولاننسى أيضا جهود نائب البرلمان تامر عبدالقادر، الذي كان حريصا على نجاح المؤتمر والترحيب بضيوفه.
المؤتمر لم تقتصر فعالياته على مدينة الخارجة فحسب، بل شملت العديد من المدن في بلاط وموط وغيرها، وذلك من خلال البرنامج الفني والثقافي الحاشد الذي وضعه إقليم وسط الصعيد برئاسة ضياء مكاوي، حيث ذهبت الفعاليات إلى الأهالي في مواقعهم من خلال المسرح المتنقل، وشاهد الأهالي عروضا للموسيقى العربية وأمسيات شعرية وغيرها من الأنشطة التي حرص الإقليم على تنظيمها على هامش المؤتمر.
وإذا كانت د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة قد اعتذرت عن عدم حضور المؤتمر لإصابتها بوعكة صحية، فقد حرصت على متابعة كل الفعاليات لحظة بلحظة، ووعدت بلقاء مع الأدباء تستمع فيه إلى مطالبهم وأفكارهم لتطوير العمل الثقافي في أقاليم مصر، فهي ، كما أكدت، تربط نجاح الوزارة كلها بنجاح الهيئة العامة لقصور الثقافة،وأعتقد أن المرحلة القادمة ستشهد المزيد من الاهتمام والدعم للهيئة، بعدما لمست الوزيرة هذا الحضور القوي والفاعل لها في أقاليم مصر.
دورة الوادي الجديد ، بكل ماشهدته من فعاليات مهمة، تؤكد أننا قادرون على تحقيق النجاح متى تعاملنا بمحبة وإخلاص.