بديهي أنه لا قداسة لأحد وكل قول يؤخذ منه ويرد إلا ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلما قال الإمام مالك رحمه الله.
وبديهي أيضاً أن هناك موضوعات وقضايا ستظل محل خلاف بين العلماء خاصة مع تبدل الزمن وحسم قضايا علمية كانت محل جدل إلى وقت قريب، لذلك تجد أن بعض الفقهاء والإئمة غيروا فتاواهم بعد مرور فترة من الزمن حسب مقتضيات المرحلة ومصالح الناس، وللإمام الشافعي مذهبان قديم وجديد.
لم يقل أحد _ ولا الإمام نفسه _ أن كلام الشيخ الشعراوي مقدس قداسة القرآن والسنة ومن ثم لا يقبل النقاش أو الاختلاف، وهو الذي أطلق على تفسيره للقرآن مجرد خواطر حتى يبقى الباب مفتوحاً أمام المفسرين والمجتهدين في ظل التطور العلمي المتلاحق.
الذين عاشوا زمن الشيخ والأجيال اللاحقة يدركون قيمة وأهمية وتأثير خواطره الأسبوعية التي كان الناس ينتظرونها ليتفقهوا في الدين، فأسلوبه البسيط يفهمه العامة ممن لم يحصلوا ولو على قدر يسير من التعليم مثلما يفهمه ويدرسه حملة الدكتوراة، وكانت حلقات العلم التي ينقلها التليفزيون تضم خليطاً عجيباً قلما يتكرر مع غيره من علماء الدين في أي مرحلة زمنية أخرى.
الشيخ الشعراوي ــ رحمه الله ــ من العلماء المجددين قام بتفسير قضايا الدين والدنيا من وحي القرآن الكريم، وكان ــ ومازال ــ يلقى قبولاً عند المتابعين، وسواء اتفقنا أو اختلفنا على رأيه في بعض القضايا الفقهية من خلال نظرتنا الآن وفي ضوء حسم الجدل حول العديد من النظريات العلمية الحديثة، فمن الظلم “للشيخ والمجتمع” أن نهدم فكره بالكامل أو نشوه تاريخه العريض في الدعوة الى الله لمجرد الإختلاف حول مسألة أو أكثر.
***
لا بأس ولاعيب في مراجعة فكر “الشعراوي” وغيره من علماء الأمة، ولكن من المنوط به القيام بهذا الدور؟!… هل هم العلماء المعتبرون الذين يدركون قيمة وقدر السابقين حتى لو اختلفوا معهم.. أم مجموعة من الحداثيين الذين لايعلمون مبادئ الشريعة من الأساس ولايملكون إلا القدرة على الجدل بالحق والباطل؟!
الهجوم على الشعراوي ليس جديداً _ ولا غريباً_ فقد سبق وتعرض لحملات ضارية في حياته، ولكن الجديد هو افتعال الأزمة واقتطاع بعض تصريحاته وفتاويه وإخراجها من سياقها بغرض إيصال صورة مغلوطة ومشوهة عن الشيخ للأجيال الجديدة، ولكن رب ضارة نافعة فقد جاءت الحملات ضده بنتيجة معكوسة وتسببت في عودة الكثيرين لخواطره خاصة من الأجيال التي لم تعاصره وتستمع _ وتستمتع _ بأسلوبه العذب والسهل في تفسير القرآن.
باب الاجتهاد سيظل مفتوحاً في المسائل التي تحتمل الاجتهاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أما مايجري الآن من حملات على السوشيال ميديا في محاولة للإساءة إلى الشيخ بعد رحيله عن دنيانا بربع قرن فهو العبث بعينه.
أيمن عبد الجواد