سأل أحد الصحفيين الأديب الكبير عباس محمود العقاد “من منكما أكثر شهرة.. أنت أم شكوكو؟!، وبتلقائية رد العقاد: مين شكوكو؟!”
وعندما وصل الأمر الى الفنان الشعبي “محمود شكوكو” تحدى العقاد أن ينزل الى ميدان التحرير ويقف كل منهما على رصيف ونرى الناس هاتتجمع على مين، ليرد العقاد: خليه يقف على رصيف وتقف راقصة على الرصيف المقابل ويشوف الناس هاتتلم على مين؟!
المغزى من الحكاية القديمة التي وقعت في خمسينيات القرن الماضي أن القيمة لاتقاس بحجم الجماهير أو بالتعليقات واللايكات بمفهوم العصر الحالي، فلا يمكن اعتبار التردي والإبتذال إعلاماً يعبر عن واقع المجتمع بهمومه ومشاكله وطموحاته لمجرد أنه يتصدر الترند، فما الذي سيعود بالنفع على المتلقي جراء ملاحقة المشاهير حتى غرف نومهم ونشر مايسميه “الإعلامي” أسراراً وهو في حقيقة الأمر ترد وانحطاط وابتذال، وماذا يستفيد المشاهد والقاريء من نشر صور وفيديوهات لفتيات شبه عاريات أو اصطياد الهفوات لهذا النجم أو النجمة واجتزاء كلامهم من سياقه للحصول على اللقطة أو الوصول الى الهدف.
زمان علمونا وعلمنا نحن الأجيال التالية أنه لايحق لك كاعلامي أن تسجل للمصدر دون علمه، فهذا الأمر فوق أنه مخالف للقانون فإنه أيضاً غير أخلاقي ويتنافى مع قيمنا وأعرافنا كمجتمع شرقي، والإعلامي هو ابن مجتمعه تربى على نفس التقاليد وذات الأخلاق ويعرف ــ أو المفترض أنه يعرف ــ مايجوز نشره ومالا يليق إعلانه خاصة إذا كا ضد رغبة المصدر.
لقد وصلنا أو بالأحرى جانب كبير من إعلامنا الى حالة صعبة من “التردي المهني” وأصبح التركيز والشغل الشغل لأبنائنا من الإعلاميين الجدد ــ أو القطاع الأكبر منهم ــ في البحث عن الفضائح وكشف ستر الناس “خاصة المشاهير” وانتهاك الخصوصيات دون التزام بمعايير أخلاقية أو محرمات أو خطوط حمراء.
القصة بدأت بمجموعة من الدخلاء على المهنة لايعرفون قواعد ولايلتزمون بأعراف قدموا تجربة وحققت أرباحاً على طريقة تيك توك ويوتيوب وكان الأمر قاصراً على المواقع الصغيرة التي تبحث لنفسها عن موضع قدم بين المؤسسات العملاقة لكن الأمر تغير بمرور الوقت ويبدو أن المكاسب والأرقام الفلكية جراء نشر موضوعات بعينها أصبحت تجذب الكثيرين ممن كنا نربأ بهم أن ينزلقوا الى هذا المستنقع.
أصبحت العديد من وسائل الإعلام التي كانت رصينة حتى وقت قريب تساير الموضة، بالسعي وراء الفضائح والدخول كطرف في الخصومات الشخصية ونشر إتهامات صريحة دون دليل أو تحقيق اللهم إلا لمجرد صدورها على لسان هذا أو ذاك وهو الأمر الذي تجرمه قوانين النشر ولا يليق أن ينزلق اليه الإعلام الرصين المحترم.
وحتى لا ندخل في إشكالية الحديث عن حال الإعلام في الوقت الراهن أو الصراع بين الإعلام التقليدي والمتطور، فإن إعلامنا ــ أو معظمه ــ بحاجة الى تطوير محتوى لكي يتناسب مع ثورة إتصالات لاتتوقف وسرعة نقل وتداول المعلومات لدرجة أن العالم أصبح قرية صغيرة بمعنى الكلمة، بشرط الحفاظ على الثوابت التي نشأنا عليها وإلا سيتحول الأمر الى فوضى مثلما نرى ونتابع ، فهناك حد أدني من الأداء المهني لايجب التخلي عنه أو التهاون فيه.
في يقيني “الأخلاقي والمهني” أن تتبع الهفوات ولسقطات “والعورات”، ونشر مقاطع مصورة أقرب إلى أفلام البورنو لحصد آلاف اللايكات والتعليقات لايمكن اعتباره نجاحاً، إلا لو اعتبرنا القوادين والعاهرات وتجار المزاح قدوة اعتبارهم الأكثر ربحاً رغم تجارتهم غير المشروعة، واسألوا العقاد “الله يرحمه”.
أيمن عبد الجواد