تقرير.. د. خالد محسن
فن صناعة السعادة الأسرية ، وتعزيز إستقرار الحياة الزوجية، هو الأساس للمجتمع القوي المتماسك ، وربما من أهم دعائم التنمية الشاملة والمستدامة بكافة روافدها الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
وفي خضم الأعباء والضغوط الحياتية والصراع المتنامي لمجابهة المتطلبات والمسئوليات ،ربما ينسي البعض أويتناسي أسمي معاني الزواج كرباط مقدس وعهد مصون وميثاق غليظ ، أوصانا الله عز وجل أن نحفظه بالمودة والرحمة (ولا تنسوا الفضل بينكم )، (وجعل بينكم مودة ورحمة) والتوجيهات القرآنية والتوصيات النبوية ،وأحاديث المصطفي صلي الله عليه وسلم، في هذه سياق هذه القضية المهمة ، لا تعد ولا تحصي.
أما لو استحالت العشرة، وإستمرار الحياة الزوجية، والوفاق فالحل هو أبغض الحلال والإنفصال بالحسني بدون ظلم وغبن أو تجريح وإساءة ،(فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان )، وهي القاعدة الربانية والمنهج السماوي العادل، التي غفل عنها البعض فجاء الحصاد المر سريعا.. عنف ونزاعات ومحاكم وتراشق وكأننا في ساحة حرب ضروس يجرب الكل ما لديه من أسلحة ووسائل مشروعة وغير مشروعة لتحقيق أقصي قدر من المكاسب، فتحولت العلاقات الزوجية إلي ما يشبه المشروع التجاري، بلا عقل أو قلب أو روح ، وسقط الضحايا من الأبناء الأبرياء جراء تلك المعارك المستعرة !!
وفي الوقت الذي تعاني فيه المجتمعات الشرقية من الخلل في منظومة الأسرة وكثرة حالات الطلاق ظهرت دعوات غربية مؤخرا لإحياء مفهوم الأسرة والعلاقات السوية ، وتشجيع الزواج لحفظ استقرار المجتمع وعلاج الخلل الديموجرافي في التركيبة السكانية.
ولعل من أسوء مفرزات العصر الرأسمالي والدراما الخبيثة ،طغيان القيم المادية
وانتشار ظاهرة الخناقات الزوجية التي تحولت لجرائم وعنف أسري ،وسقط مفهوم الأسرة تدريجيا بما يحمله من سكنية وهدوء.
ومابين فكرة الحقوق والواجبات هناك حلقات مفقوده وحقائق غائبة ، وفهم خاطيء وحسابات مادية حولت الحياة لصراع وجحيم ورغبات في الإنتقام ، وتحول الحضن الدافيء لمعقل ومسرح للجريمة ، ومن ثم لابد أن يضطلع كل بمهمته، ويعود لرشده ولصوت التعقل و الحكمة ، فهي ضالة كل عاقل راشد ،ومهما بلغت درجة الضغوط فهناك حلول شرعية وقانونية وأعراف متبعة للصلح وتقريب وجهات النظر لتجنب هذا الإحتقان المتصاعد.
وفى إطار إهتمام المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بدراسة الظواهر المجتمعية والعمل على وضع الحلول المناسبة لها أعد قسم بحوث “المعاملة الجنائية دراسة شاملة بعنوان “الأبعاد الجنائية والاجتماعية للجرائم التى تقع بين الأزواج”
الدراسة أشرف علي تحريرها وإعدادها د. فادية أبوشهبة أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية وشارك في إعدادها فريق من الباحثين وهم د..عبدالمنعم شحاته ود.صفيه عبد العزيز ود.عادل السمري والمستشار خالد الشباسي ود.منال عمران.
أشارت الدراسة إلي أن الأسرة هي اللبنة الأولى فى صرح المجتمع، فهى النواة التى تنبثق عنها جميع العلاقات البشرية، الأمر الذى جعلها بمثابة وحدة قياس المجتمع الأساسية. إذ يقوى بقوتها ويضعف بضعفها، فلا يتصور ثمة تطور فى المجتمع، دون أن تكون الأسرة سليمة متماسكة يسود أفرادها الوئام والسلام وتفيض على أعضائها مشاعر الحب والرحمة، ومن هنا تتجلى ضرورة الاهتمام بها وتوفير الضمانات القانونية كافة لحمايتها، حتى تتمكن من الاضطلاع بمسئوليتها فى المجتمع.
أكدت الدراسة أن المجتمع المصري شهد فى الأونة الأخيرة موجة من العنف والإجرام فى محيط الأسرة ساهمت فيها التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية.
كما ارتفعت نسبة الجرائم التى تقع بين الزوجين داخل الأسرة فى كثير من المناطق الحضرية والريفية.
وقد استهدفت الدراسة فى جانبها القانونى تقييم موقف المشرع الجنائى المصرى من الجرائم التى تقع بين الزوجين مقارنة بموقف القضاء فى هذا الصدد.
كما استهدفت فى جانبها الاجتماعى إلى رصد أهم الخصائص الديموجرافية والاجتماعية للأزواج والزوجات مرتكبى الجرائم ضد أزواجهم ، فضلا عن معرفة أهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المرتبطة بتورط أحد الزوجين فى جريمة ضد الأخر.
أما الجانب النفسى من الدراسة فيهدف إلى التعرف على أهم العوامل النفسية المقترنة بارتكاب جرائم طرفيها أزواج، كما تهدف إلى الوقوف على أهم العواقب والمردودات النفسية للجرائم التى تقع بين الزوجين ومن الجانى والمجنى عليه فى تلك ال وكيفية تجنب حدوثها.