بدأ مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في تنفيذ المشروع البحثي المتكامل لصياغة السيناريوهات وبدائل السياسات اللازمة لتعامل الاقتصاد المصري مع الوضع الاقتصادي العالمي خلال عامي 2023 و 2024، وذلك في إطار تنفيذ تكليفات الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء ، بهذا الشأن.
شارك في الجلسة الأولى كل من الدكتور زيليكو بوجيتي، كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي بالقاهرة، والدكتورة أمنية حلمي، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة يُمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، والدكتورة نجوى سمك، أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، والدكتورة عالية عارف، أستاذ الإدارة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.
وأوضح أسامة الجوهري، مساعد رئيس الوزراء، رئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أن المشروع البحثي يتضمن 18 ورشة عمل تتناول عددًا من الموضوعات ذات الأولوية بالنسبة للاقتصاد المصري وصانع القرار في مصر، تستهدف الاستفادة من آراء وتوصيات ما يزيد على 350 خبيرًا محليًّا ودوليًّا، كما يستهدف هذا المشروع تحديد التدابير العملية التي من شأنها المساهمة في الحد من المخاطر الاقتصادية المحتملة وتحويل الأزمات التي يشهدها الاقتصاد العالمي إلى فرص يستفيد منها الاقتصاد المصري في تعزيز قدرته على الصمود، وذلك من خلال الاستعانة بآراء عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين المرموقين على النحو الذي يدعم عملية صنع القرار في مصر خلال عامي 2023 و2024.
وأشار “الجوهري” إلى أن هذا المشروع يأتي في إطار اهتمام الدولة المصرية بصياغة السياسات الملائمة لتعزيز مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة المخاطر التي يمر بها الاقتصاد العالمي، والتي شهدت تناميًا واضحًا خلال السنوات الأخيرة في ظل الأزمات المتعاقبة والمتشابكة بداية من جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من أزمات في سلاسل التوريد العالمية، وصولًا إلى الأزمة الروسية الأوكرانية وما أسفرت عنه من تهديدات خطيرة لأمن الغذاء والطاقة العالميين.
وفي هذا الإطار، تناولت ورشة العمل الأولى في سياق تنفيذ هذا المشروع آفاق النمو الاقتصادي في ظل التحديات والمخاطر الاقتصادية العالمية، وحضرها عدد من الخبراء.
وفي بداية الجلسة الأولى تم تقديم عرض من مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، ألقى الضوء من خلاله على الأوضاع والمخاطر الاقتصادية المحتملة خلال عامي 2023 و2024، من واقع توقعات وتقديرات المؤسسات الدولية، وذلك بما يشمل توقع حدوث تراجع حاد واسع النطاق للنمو الاقتصادي العالمي خلال عام 2023 لتتراوح معدلات النمو المتوقعة ما بين 1.7% و2.9%، بما يمثل أشد تباطؤ للاقتصاد العالمي منذ سبعينيات القرن الماضي، فيما يتوقع ارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي إلى ما يتراوح بين 2.7% و3.1% خلال عام 2024 بالتوازي مع التحسن المتوقع لمستويات النشاط الاقتصادي في عدد من الدول المتقدمة والنامية.
كما يُتوقع حدوث تراجع نسبي لمعدل التضخم العالمي إلى 6.6% في عام 2023، مقارنة بنحو 8.8% في عام 2022، بفعل التشديد العالمي غير المسبوق للسياسة النقدية للحد من الضغوطات التضخمية عبر العالم، رغم ذلك ستبقى معدلات التضخم في 80% من دول العالم أعلى من مستوياتها المسجلة فيما قبل الجائحة، وذلك قبل تراجع معدلات التضخم إلى 4.3% العام المقبل في أعقاب الانحسار التدريجي لأثر تشديد السياسة النقدية.
من جانب آخر، من المتوقع تواصل ارتفاع أسعار الفائدة العالمية وبلوغها ذروتها في منتصف عام 2023 في ضوء استمرار جهود البنوك المركزية العالمية الهادفة إلى احتواء الضغوطات التضخمية، ومن ثم تواصُل التداعيات السلبية لرفع الفائدة في الاقتصادات الكبرى وتأثيراتها على خروج رؤوس الأموال من الدول النامية واقتصادات السوق الناشئة، وحدوث أزمات مديونية وعملات متوقعة في عدد من تلك الدول.
وخلال الجلسة، قدم الخبراء المشاركون العديد من التوصيات لدعم صلابة ومرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الأوضاع والمخاطر الاقتصادية العالمية المحتملة؛ حيث أشار الدكتور زيليكو بوجيتي، كبير الاقتصاديين بالبنك الدولي بالقاهرة، إلى أنه على الرغم من تشابه وضع الاقتصاد في مصر وكوريا الجنوبية في سبعينيات القرن الماضي من حيث مستويات الدخل في كلتا الدولتين، فإن الوضع الاقتصادي في الدولتين اختلف كليًّا على مدى العقود التالية لتلك الفترة، حتى وصول متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في كوريا الجنوبية إلى تسعة أضعاف ما عليه في مصر في عام 2022، ويرجع السبب الرئيس للاختلاف بين الدولتين إلى الزيادة السكانية السريعة في مصر.
كما أشار “بوجيتي” إلى أن تباين الأداء التصديري بين البلدين كان أيضًا من بين أسباب الاختلاف في مستويات التنمية الاقتصادية؛ حيث اتبعت كوريا الجنوبية درجة عالية من الانفتاح والتوجه التصديري، في حين كان الأداء التصديري للاقتصاد المصري دون الطموحات والقدرات.
وأكد “زيليكو” نظرته التفاؤلية للاقتصاد المصري؛ نظرًا لكون مصر دولة كبيرة ذات حضارة عريقة، وتمتلك ميزات تنافسية تفتقر إليها دول أخرى مثل الموقع الجغرافي المميز في قلب الوطن العربي، وهو ما يساعدها فى زيادة قدراتها على جني ثمار التجارة الخارجية، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، كما أن مصر بيئة جاذبة للسياحة وللاستثمارات الأجنبية، وهو ما يستمر في جعلها من أهم البيئات الجاذبة للأعمال في الشرق الأوسط في السنوات القادمة.
فيما أشارت الدكتورة نجوى سمك إلى ضرورة العمل على وضع إطار مفاهيمي تشغيلي معزز لمرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات بهدف صياغة السياسات اللازمة لمواجهة الأزمات المحتملة وتحديد أي منها سيكون له أثر أكبر على الاقتصاد المصري، وكيفية وطرق التعامل مع تلك الأزمات، مؤكدة ضرورة أن يشتمل هذا الإطار على عدد من السياسات التي من شأنها دعم مرونة الاقتصاد المصري في مواجهة الأزمات، سواء قبل أو بعد وقوعها؛ حيث يتعين قبل وقوع الأزمة، ولجعل الاقتصاد أكثر مرونة للتعامل معها، التحوط منها باتخاذ عدة إجراءات، من بينها: تحديد ومراقبة مصادر نقاط الضعف الداخلية واتخاذ الإجراءات لوقف تراكمها، إضافة إلى تحديد احتمالية وقوع الأزمات الخارجية ومدى قوة تأثيرها على الداخل وخاصةً التأثير السلبي على نقاط الضعف الداخلية وتعميقها، إلى جانب تبني الآليات الكفيلة بامتصاص والتخفيف من تأثير الصدمة من خلال آليات التحوط وإجراءات مواجهة الأزمات الموضوعة مسبقًا والجاهزة للتفعيل.
وأوضحت الدكتورة نجوى سمك، أهمية التركيز على معالجة نقاط الضعف ومواجهة الأزمات المحتملة، ومعالجة التضخم، وكذا تنمية قطاعات الاقتصاد الحقيقي وزيادة الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة، بما يسهم في رسم السياسات الاقتصادية اللازمة لإحداث التحول الهيكلي؛ بمراجعة وضع مصر وفق مؤشر التعقد الاقتصادي بما يعزز من “استدامة النمو الاقتصادي في المدى البعيد”.
في الوقت الذي أشارت فيه الدكتورة أمنية حلمي إلى ضرورة العمل على مواجهة الأزمات والمخاطر الاقتصادية العالمية المتوقعة، من خلال التركيز على القطاعات الحقيقية للاقتصاد، بهدف زيادة مستويات المعروض من السلع والخدمات، كما طالبت بتفعيل التعاون الإقليمي مع الدول الإفريقية والعربية وخاصة في مجالي الزراعة والأسمدة، لافتة إلى أهمية تعزيز الموارد من النقد الأجنبي.
كما نوهت الدكتورة أمنية، وفي ضوء التحديات التي تواجه دول العالم حاليًّا، والتي تسببت في بعض الأزمات كأزمة غلاء المعيشة، إلى ضرورة ضبط أسواق السلع والخدمات؛ من خلال العمل على مواجهة الاحتكارات وتحديد هوامش مناسبة للربح، كما أكدت أهمية التعاون الإقليمي لتحقيق الأمن الغذائي، وأهمية التركيز على كفاءة وعدالة الإدارة الضريبية لتحصيل الضرائب من أصحاب المهن الحرة (كالأطباء والمحامين والمحاسبين).
واتفقت معها الدكتورة يمن الحماقي في ضرورة سعي الدولة إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية الدولية، ووجود سياسة تجارية واضحة لمصر؛ لزيادة نصيب مصر من التجارة الدولية، وتبني السياسات الملائمة باتجاه تحرك مصر نحو تحقيق مستويات فائض تجاري مع العديد من التكتلات الدولية، مع تعزيز التوجه التصديري، وفي هذا الصدد، لفتت الدكتورة يمن الحماقي إلى أهمية وجود استراتيجية واضحة لتشجيع الصادرات في مصر.
كما أكدت الدكتورة يمن الحماقى، ضرورة أن يقتصر الدعم الموجه لتشجيع الصادرات على الصناعات التي تمتلك مصر فيها ميزة نسبية، وتلك القادرة بشكل كبير على زيادة مستويات الصادرات، وأشارت في هذا الصدد لوجود دراسات أوضحت أن الصناعات التي تمتلك مصر فيها ميزة نسبية تشمل: صناعة الملابس الجاهزة، والصناعات الغذائية، وصناعات الجلود، وصناعات الأثاث، وبعض الصناعات الإلكترونية والكهربائية. وطالبت بتوفير قاعدة بيانات عن المصنعين، وعن المصدرين مستحقي الدعم.
كما أشارت إلى أهمية وجود رؤية واضحة للتعامل مع الاستثمار الأجنبي المباشر وإلزام المناطق الحرة بالتصدير، مع مراعاة وجود نظم للمتابعة والتقييم لهذه المناطق، كما شددت على أهمية وجود حوافز للاستثمار ومناخ استثماري مُواتٍ، ومنافسة عادلة، مشيدة في هذا الإطار بإصدار رئيس مجلس الوزراء “الرخصة الذهبية” التي تُعد خطوة رائعة لتشجيع الاستثمارات، متمنيةً وجود نظام متابعة وتقييم لهذه الخطوة.
كما أوضحت الدكتورة يمن الحماقي أهمية مشروع “حياة كريمة” كمدخل مصر للتنمية، ولكن شريطة تركيز الحكومة في المرحلة المقبلة على ضخ الاستثمارات في المجالات ذات الصلة بدعم رأس المال البشري، كما لفتت الانتباه إلى أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، من خلال استغلال العنابر غير المستغلة في شركات قطاع الأعمال العام عن طريق الحصول على حق امتياز أو تأجير تلك العنابر للقطاع الخاص، وهو ما يسهم في زيادة الإنتاج للسوق الداخلية أو الخارجية، ويساعد في تدريب العمالة، وإدخال التكنولوجيا، وتحسين طرق الإدارة في وقت لا يكاد يذكر يتراوح ما بين شهرين وثلاثة أشهر.
وخلال الجلسة، تطرقت الدكتورة عالية عارف إلى مؤشر رأس المال البشري، الذي تراجع فيه وضع مصر بالنسبة لمكون رأس المال المادي، وتساءلت عن الأسباب، وعقّبت بأن السبب قد يرجع إلى الزيادة السكانية الكبيرة، فالزيادة السكانية تُعد من أحد الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى ضياع كل جهود التنمية.
تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع البحثي استند إلى منهجية الاستشراف الاستراتيجي وصنع السياسات العامة باستخدام طريقة “دلفي” التي تُعد من أهم الطرق العلمية في استشراف المستقبل ورسم السياسات وبدائل الحلول.