»» ✍️ د.أحمد شعبان
( دكتوراه في القانون – جامعة الزقازيق)
………………………
تكتسب المفاوضات الممهدة للتعاقد الإلكتروني عبر وسائل الاتصال الحديثة أهمية خاصة لأن هذا النوع من التعاقد هو تعاقد عن بعد لذا لا يستطيع كل واحد من أطراف التفاوض التحقق من شخصية الطرف الأخر أو أهليته للتعاقد أو سلامة المستندات التي يقدمها كذلك لا يستطيع التحقق من السلعة أو الخدمة بشكل ينفي الجهالة، أي كيف يتأكد الراغب بالشراء من مصداقية العرض الإلكتروني ومشروعيته من حيث وجود البضاعة أو الخدمة التي عرضها أحد الأشخاص من خلال موقعه أو ما يسمى بمتجره الافتراضي على شبكة الإنترنت.
وإذا كانت السلعة أو الخدمة موجودة تثور مسألة التأكد من ملكيتها للعارض حتى يكون عرضه مشروعا وذلك حماية المستهلك من الاحتيال والأنشطة الوهمية، وإزاء هذه المخاطر بالنسبة للمشتري أو متلقي الخدمة تلعب المفاوضات دور كبير للتقليل من هذه المخاطر حيث يستطيع أي من اطراف التعاقد بواسطة التفاوض الاتصال بالطرف الأخر ويطلب ما يريد من معلومات التي تساعد على دراسة العرض والتأكد من جديته ومشروعيته في معظم الأحيان عندما تكون العقود من الأهمية بمكان لدى الأطراف الراغبين في إنشاء علاقات بينهم يسبق هذا الاتفاق النهائي المنشئ لهذه العلاقات مفاوضات يمكن أن تستمر زمناً طويلاً بالنظر إلى موضوع العقد وطبيعة الالتزامات المتبادلة وما يمكن أن يتضمنه من أمور فنية ومالية وقانونية أو ما يستتبع تنفيذه من كل فريق تحقيقاً لأهدافه وتأميناً لحسن تنفيذه كما يصدف أحياناً أن تكون صلاحية المفاوضين محدودة، مما يضطرهم للرجوع إلى صاحب المشروع الأصلي لعرض ما توصلوا إليه من نتائج وأخذ تعليماته أو موافقته.
وقد تكون مصاريف تهيئة العقد النهائي في العقود الهامة باهضة تشمل الدروس الفنية والمالية والاستشارات القانونية والانتقال إلى الموقع والمراسلات والاتصالات الهاتفية وتأليف فريق مفاوض من الفنيين لذلك لابد من أن تجري المفاوضات ضمن إطار من الجدية وحسن النية محافظة على مصلحة الفرقاء فيها وتفادياً لإضاعة المال دون طائل، وعليه فأن سلامة التعامل بين الأفراد والحرص على تعاونهم من خلال العقد المزمع إبرامه، وبغية جعله يحقق أهدافه الاقتصادية والاجتماعية دون أن تطرأ على تنفيذه معوقات أو مشكلات ناتجة عن سوء فهم أو تقدير أو كتمان خادع أو سوء نية، يفرضان على المفاوضين موجب الإعلام والاستعلام بحيث يكون كل منهم على بينة من موضوع تفاوضه وطبيعة الشيء أو الالتزام الواقع عليه التفاوض وما ينتظره من فائدة ومنافع من العقد وما يعول عليه من مواصفات وأداء للشيء موضوع التعاقد فإذا حصل خلل بأحد هذين الموجبين انعكس سلباً على نتيجة المفاوضة وربما تعداها إلى العقد نفسه فيما لو تم إبرامه.
مفهوم التفاوض الإلكتروني.
إذا كان التعاقد فيما مضى يتم بطريقة سريعة تتناسب مع طبيعة المعاملات حيث كان أحد الطرفين يتوجه للطرف الأخر بإيجاب بسيط ثم ما يلبث هذا الأخير أن يقبل هذا الإيجاب فينعقد العقد وينتهي الأمر إلا أن هذا قد تغير، لان هذه الطريقة التقليدية لم تعد تتناسب إلا العقود البسيطة أما العقود المركبة أو المعقدة والتي أوجدتها الأساليب الحديثة والمتطورة في التعامل فلم تعد تتلاءم معها الآن وذلك لكونها ترد على مشروعات عملاقة ومتعددة الجنسيات، وهي بذلك تنصب على عمليات مركبة ومليئة بالتعقيدات الفنية والقانونية وعليه كان من غير الممكن إبرام هذا النوع من العقود من الوهلة الأولى وبطريقة بسيطة وإنما أصبح من الضروري جداً أن يسبق إبرامها مرحلة شاقة من المفاوضات التي قد تستغرق الكثير من الوقت وتستنزف الكثير من الجهد.
وتعتبر المفاوضات التي تشبه إبرام العقد في ذاتها عملية بالغة التعقيد تقوم على أسس ومبادئ علمية تتحكم فيها عوامل كثيرة فالتفاوض على العقد علم وفن فهو لم يعد قائماً على الجدل والنقاش الارتجالي أصبح علما قائما بحد ذاته له أصوله وقواعده ومناهجه وهو فن يحتاج لموهبة خاصة وقدرات ذاتية يتمتع بها المتفاوض بحيث تجعله خبيراً بتكتيكات التفاوض وذلك عن طريق تحديد أهدافه ومقاصده مستأنفا من العملية التفاوضية.
(تعريف التفاوض الإلكتروني)
التفاوض في اللغة المساواة والمشاركة وفي الاصطلاح هي العملية التي تتضمن المحادثات وتبادل وجهات النظر وبذل العديد من المساعي بين الطرفين المتفاوضين يهدف التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة معينة.
ويرى البعض الآخر بأنه “قيام أطراف العلاقة العقدية المستقبلية بتبادل الاقتراحات، والمساومات والمكاتبات والتقارير والدراسات الفنية والاستشارات القانونية التي يضعانها سوية أو ينفد يوضعها أحدهما ليكون كل منهم على بينة مما يقدمان عليه والوصول الى أفضل النتائج التي تحقق مصالحهما وللتعرف على ما يسفر عنه الاتفاق بينهما من حقوق وامتيازات لهما.
(أهمية التفاوض الإلكتروني)
إن التفاوض الإلكتروني غالباً ما يرد على محل إلكتروني مثل عقود الخدمات والمعلومات الإلكترونية أو أنه قد ينصرف إلى أداة التفاوض الإلكتروني وهي هنا شبكة الإنترنت وعلى أية حال فإن شبكة الإنترنت هي أحد أهم وأشهر أنواع وسائل الاتصال الفوري الحديثة بل هي أكثرها استعمالا وانتشاراً في أيامنا هذه، ولعل السبب وراء ذلك يعود إلى الخدمات المتعددة والضرورية اللازمة لمواكبة السرعة التي يمتاز بها العصر الذي نحيا به والتي تقدمها الشبكة للجمهور خاصة فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية ونتيجة لذلك ظهرت إضافة مهمة تمثل في إمكانية إبرام العقود خاصة ذات الطابع المدني والتجاري عبر الإنترنت، وهذا ما يتم عبر عرض المنتجات من بضائع وخدمات مع بيان أو عدم بيان أسعارها عبر متجر افتراضي موجود في مركز تجاري على موقع معين على الشبكة.
(خصائص التفاوض الإلكتروني)
يمتاز التفاوض الإلكتروني بعدة خصائص ولعل أبرز تلك الخصائص ما سنجمله في النقاط التالية:
١ – تتم المفاوضات الإلكترونية عبر وسائل الاتصال الحديثة وبالتالي ينعدم الحضور المادي للأطراف كما لا يوجد مجلس حقيقي حيث يتم التفاوض عن بعد بوسائل اتصال حديثة.
٢ – التفاوض على العقد ثنائي الأطراف على الأقل فلا يمكن تصور التفاوض إلا بوجود طرفين على الأقل، أي أنه يتم من قبل جانبين أو أكثر من ذلك، ويكون أما بالنقاش والحوار وجها لوجه وإما بطريقة المراسلة، وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى انه لا يتصور حدوث مفاوضات في حالة التعاقد مع النفس، وذلك لان التفاوض يقوم بالأساس على التقريب بين وجهات النظر المختلفة والمصالح المتضاربة، وهذا ما لا يمكن تصوره في هذه الحالة.
٣- يعد التفاوض على العقد تصرف إرادي وذلك لأن عملية التفاوض لا تحدث إلا عندما تتجه إرادة الأطراف المتفاوضة إلى الدخول في التفاوض بغية إبرام عقد معين، ومن ناحية أخرى فإن إرادة الطرفين تظل حرة تماماً طيلة مرحلة المفاوضات، فلكل طرف الحرية الكاملة في الدخول إلى التفاوض أو الاستمرار فيه أو الانسحاب منه.
(الالتزامات في المفاوضات الإلكترونية)
تتضمن مرحلة التفاوض على العقد الإلكتروني مناقشة شروط هذا العقد وتحديد الاحتياجات والمطالب ودراسة جدواه من الناحية الاقتصادية للطرفين بغرض التوصل إلى الاتفاق بشأنه، فإذا توصل الطرفان إلى اتفاق للتفاوض ترتب على ذلك التزام على عاتق كل طرف وهو الالتزام بالتفاوض ولا يعد هو الالتزام الوحيد المترتب على اتفاق التفاوض بل هناك عدة التزامات تقع على عاتق الطرفين، لذا نشير في هذا المبحث إلى أهم الالتزامات المفروضة في مرحلة التفاوض إذ يترتب على عقد التفاوض الإلكتروني عدة التزامات تقع على عاتق كل طرف يجب أن يلتزم بها وهي الالتزام بالدخول والاستمرار.
وفي الختام نحب أن نشير الى: –
أن فترة المفاوضات السابقة على العقد لا تقل أهمية عن فترة ما بعد العقد إذ إنها فترة إعداد للعقد وكلما كان الإعداد جيدا كان العقد جيدا ويحقق مصلحة المتعاقدين ومتضمنا الشروط التي تمنع إثارة المنازعات بينهما.
ولا يمكن وصف المفاوضات المتأنية والدقيقة التي لم تؤدي إلى إبرام العقد النهائي بالمفاوضات الفاشلة أو غير الجيدة أو السلبية، بل على العكس من ذلك فإنها تعتبر جيدة وحققت الغاية الأساسية منها وذلك لأن عدم التعاقد خير من إبرام عقد يفتح بابا للمنازعات والخلافات القانونية التي تسفر دائما إلى إلحاق الضرر بالعاقدين وتعطل مصالحهما بالإضافة إلى ما يتكبدانه من مصاريف وجهد ووقت لتسوية النزاع بينهما.
وأن التوازن الاقتصادي للعقد يعتمد بالأساس على حسن سير المفاوضات، فكلما كانت المفاوضات رصينة وفنية ودقيقة كلما ضمنا حسن صياغة نصوص العقد مما يمنع أثارت المشاكل مستقبلا بشأن الالتزامات المتولدة عنه.