بقلم: محمد عبد العزيز الشمول
امام وخطيب مسجد البديع
عندما أود الحديث عن العام العاشر من بعثته _ صلى الله عليه وسلم _ يبكى القلم وترتعش الأنامل وتعجز اللغة عن التعبير !
فأي أحرف تجرؤ أن تصف حال قوم الحجر ألين من قلوبهم ؟
#العام_العاشر
من أشد الأعوام على رسول الله_صلى الله عليه وسلم_ سواء من الجانب النفسي أو البدني ، فقد فيه الزوجة الحنون ، أول من صدقته وآمنت به ونصرته بنفسها ومالها ، وتحملت الحصار من أجله ومن أجل رسالته ……وما ادراكم ببلاء فقد الأحبة وخاصة إذا كانت خديجة !
فاق حزن رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ على خديجة حزنه على أولاده لم يفق من حزنه عليها رضي الله عنها .
وقبل وفاة خديجة مات عمه أبو طالب قبلها بشهرين أو ثلاثة أشهر ، وهو الذي كان حصنا وجندا سلطه الله لنصرة دينه ، والدفاع عن نبيه – صلى الله عليه وسلم -.
تتابعت المصائب وتجرأ السفهاء ونالت قريش من رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ من الأذى مالم تكن تطمع به في حياة أبي طالب ….وها هو مشهد تخيل أنه يحدث أمامك وأنت تشاهد ما يتحمله حبيبك محمدا لتعرف
كم عانى وقاسى وحارب ؟…كم عُودي وأوذي ؟
كم اجتهد وجاهد وبذل ؟ كم تفانى ؟ وكم رقّ وحنّ وعطف ؟كم دعا وبكى وتضرّع ؟
كم ذاق كي يصلكَ هذا النور الإلهي ﷺ .
تجمع سفلة القوم في مجلسهم ، سبعة وثامنهم إبليس !
فبينما المصطفى قائم يصلي في المسجد ، قال كبيرهم في الإجرام والانحطاط وهو أبو جهل :- أيكم يأتي جزور بني فلان ، فيأتينا بفرثها ، فيلقيه على محمد -صلى الله عليه وسلم – ؟
تطوع سفيه منهم ، وهو عقبة بن أبي معيط ، فأتى به ، فألقاه على كتفه ، ورسول الله ساجد لربه !!
فمن تحمل ماتحمله ؟ وكل هذا يحدث وهم يضحكون حتى يتمايل كل واحد منهم على الآخر من الضحك !
تنطلق جويرية – رضي الله عنها – إلى ابنته فاطمة ….فأقبلت تسعى ، وثبت النبي – صلى الله عليه وسلم – ساجدا حتى ألقته عنه – وأقبلت تسبهم ، فلما قضى صلاته قال :- ( اللهم عليك بقريش – اللهم عليك بقريش – اللهم عليك بقريش ) ثم سمى : ( اللهم عليك بعمرو بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة ، وأمية بن خلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمارة بن الوليد ) هذه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم سجلها الله لنبيه ، وكل هذا يحدث والله لا يغفل عنه ، وتحققت دعوته عليهم يوم بدر …وسحبوا كالجيف إلى القليب يوم بدر ووقف عليهم وقال ( وأتبع أصحاب القليب لعنة ) .
النبي صلى الله عليه وسلم….ما كل ، وما مل ، وماهان وما لان ، وما استكان ….يبحث عن نافذة للنور جديدة ، وطاقة تنبعث منها الهداية فيتوجه فيذهب إلى الطائف….مسافة بعيدة في الحر الشديد يسير على قدمه ، ولسان حاله … من ينصرني ؟ من يأويني حتى أبلغ رسالة ربي ؟
وهناك لم يلق آذانا صاغية ، وقوبلت الدعوة بإيذاء وسخرية ، وأغرو به بلهائهم وصبيانهم ؛
فقذفوه بالحجارة حتى دمى قدمه الشريف ، وأعجز عن وصف الحال النفسية والبدنية التى تراها بعينك في دعائه الذي لاذ به إلى ربه حين خروجه من الطائف ……
صلى ركعتين ثم قال :-
( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، أنت ارحم الراحمين ،
إلى من تكلني ؟ إلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والأخرة ، أن تنزل بي غضبك ، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) .
ولم يستطع أن يعود إلى مكة فقد حالت قريش بينه وبين ذلك ، ولم يدخلها إلا في جوار المطعم بن عدي ….بات عنده النبي – صلى الله عليه وسلم – ليلة ، وفي الصباح خرج المطعم وقد لبس سلاحه هو وبنوه سبعة …وقال للنبي طف . وطاف النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت وهو في جوار المطعم بن عدي .
هذا هو العام العاشر الذي لقب بعام الحزن ، ولك أن تتخيل ما أصاب النبي – صلى الله عليه وسلم – من خيبة أمل من قومه ومن غيرهم !
لكن الله لم ولن يدع نبيه بهذه الحالة النفسية والبدنية والمعنوية فبدأ فيض عطاءه سبحانه وتعالى عليه بأن أنزل عليه سورة يوسف لتسرية عن قلبه ولتكون بلسما لأحزانه ، حينما يتذكر يوسف ويعقوب عليهما السلام ، وكأن لسان الحال لم الحزن الشديد ؟
تأمل شأن يعقوب الذي ابيضت عيناه من الحزن على أبناء أدعو زورا وبهتانا أكل الذئب لأخيهم ، وجاءوا على قميصه بدم كذب ، وألقوه في الجب !
وكيف صبر وتحمل ….ويوسف الذي ألقي في البئر وخرج منه ليباع عبدا بثمن بخس !
وفي بيت العزيز تشتد المحنة بكيد زوجته له ، وكيف دخل السجن وتحمل الأذى ؟
لكن من المحنة منحة ، والصبر باب من أبواب الترقي ….انتهى المطاف بيوسف عزيزا على ملك مصر وحافظ لخزائنها …لا تحزن يامحمد فالله معك .
ثم كان العطاء الأكبر رحلة الإسراء والمعراج في هذا العام للتسرية التامة والترقي الأسمى والمعية الربانية الكاملة .
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية .
#بقلم ✍️ الشيخ / محمد عبدالعزيز الشملول