في الظروف والأيام الصعبة تظهر معادن الناس، وهذا ما أتابعه عن بعد من أهالي بلدتي ومسقط رأسي “مدينة الباجور بمحافظة المنوفية”، فالمبادرات المجتمعية للتخفيف عن الناس لاتتوقف، من معارض للسلع المخفضة الى شوادر لبيع اللحوم بسعر التكلفة الى توفير وجبات غذائية للمحتاجين، تتزايد في شهر رمضان المبارك لتتضمن عابري السبيل من المسافرين المارين على الطريق الدائري الإقليمي.
أتابع مثل هذه المبادرات وغيرها من خلال جروبات الفيس بوك التي أضافني إليها أصدقاء الطفولة أو حتى شباب لا أعرفهم لايعرفونني إلا من خلال ذلك العالم الإفتراضي، وهذه من حسنات وسائل التواصل الإجتماعي التي ساهمت في طي المسافات والتقريب بين الناس وأتاحت التواصل بين الأهل والأصدقاء الذين باعدت بينهم سنوات الغربة بمشارق الأرض ومغاربها وهو أمر لم يكن ميسراً من قبل.
من أهم المبادرات أو اللفتات الإجتماعية التي تبناها أهالي الباجور رعاية حفل زفاف لشابين بإحدى دور الأيتام “نور وشهاب” في مثال رائع للتكافل ليس بسبب تحمل التكلفة المالية فحسب ولكن أيضاً بالحضور الكبير ومشاركة العرسان فرحة الزفاف، بل أن الكثير من الأصدقاء حرص على التقاط الصور مع العروسين ونشرها على مواقع التواصل.
ماحدث من أهالينا بالباجور بمثابة بمثابة نموذج رائع لجبر الخواطر ومشاركة الغير فرحتهم وأيضاً همومهم.. ومثلما كتب أحد الأصدقاء على صفحته بالفيس بوك “الباجور كلها كانت فرحانة، فالجميع تعاملوا وكأنه زفاف أحد أبنائهم”، وهي روح جميلة نحتاج اليها بشدة في هذه الأيام ونحن على أبواب شهر الخير والرحمة والمغفرة.
***
الرسالة من أبناء وطني الصغير “الباجور” الى وطني الأكبر، مفعمة بالأمل والرحمة ونحن على أبواب شهر الرحمة أعاده الله على الشعب المصري والأمتين العربية والاسلامية بالخير واليمن والبركات.
هذا التكاتف مطلوب في كل وقت لاسيما في الظروف الإقتصادية الصعبة، ومن أجمل وأفضل وأرقى السلوكيات التي نحتاجها وتميز تلك الأيام المباركة شيوع روح التكافل والاحساس بالغير، فهناك الكثيرون من المحتاجين والغارمين والغارمات المحبوسين أو المهددين بالحبس ربما بسبب مبالغ بسيطة.
الديون التي ربما يراها البعض بسيطة قد تنقذ أسرة أو عدة أسر من مصير مجهول لو تم حبس عائلها الوحيد، وهو باب كبير للطاعة لمن أرادوا أن يفوزوا في تلك الأيام المباركة، ونفس الأمر ينطبق على المحتاجين الذين تمنعهم عزة النفس من سؤال الناس حيث يمكنك ــ ان كنت مقتدراً ــ البحث عن وسيلة لمساعدتهم دون أن تجرح كرامتهم وكبرياءهم.
رمضان موسم للطاعة والإنفاق والصدقات فهو شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، ومن الفطنة الحرص على اغتنامه في فعل الخيرات فالأجر مضاعف والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء.
وأهم وأول أوجه الخير قبل الأمور المادية أن تحسن الى الناس بالقول والعمل وتشعر بغيرك حتى لو لم تكن قادراً على تقديم المساعدة، فابتسامتك في وجه أخيك صدقة وأقرب الناس مجلساً من النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة أحسنهم خلقاً كما جاء في الحديث الشريف.