البحيرة_ نبيل فكري:
تقدم قرية نجع العون التابعة لمركز كفر الدوار بمحافظة البحيرة رغم تواضع تجربتها الحل للكثير من المعضلات المصرية التي طفت إلى السطح هذه الأيام، خاصة في ظل تفاقم أزمة الغلاء التي فرضتها الظروف العالمية.
قرابة ثلاث ساعات، هي مدة الرحلة من قلب دمنهور، عاصمة البحيرة إلى قلب قرية «نجع عون» أو نجع الشيخ عون، التابعة لمجلس قرية كوم اشو، مركز كفر الدوار، لكن الفارق بين القرية وما سواها أكبر بكثير .. فارق بين من يعمل ومن يشكو .. من أبدع ومن استسلم لليأس .. فرق بين من أصر على العيش ومن ألقى باللائمة على غيره، والأهم هو هذا الفارق بين العبث وبين الجمال .. في «نجع عون» حتى الطرقات تحتفل بأهلها، الأسطح والحقول وألوان الفرحة التي تزين عينيك في كل اتجاه.
يصل عدد سكان القرية إلى قرابة ألفي نسمة، لا توجد بها بطاله حيث توفر المشروعات على أرضها العديد من فرص عمل لشباب القرية، إذ تعد من أشهر القرى المنتجة التى تضم عدداً من المشروعات المتنوعة، توفر مصدر دخل لتمويل مشروعات الأُسَر المنتجة وتوفير الدخل لدعم الأُسَر الفقيرة، بها مركز خدمي، يضم عدداً من ورش الخياطة إلى جانب تفريخ الدواجن وزراعة الأسطح، و6 ورش منها ورشة سجاد يدوى والنجارة وأخرى لإنتاج الحرير الطبيعى، وورشة للكروشيه والاكسسوارات وفرن خدمى وحضانة شعير مستنبت للإنتاج الحيوانى وحضانة دود قز، وأخرى لإنتاج عيش الغراب «المشروم»، ومنحل وتوفر قرابة 300 فرصة عمل لأبناء القرية.
كما تعد القرية من أولى القرى التى اشتهرت بزراعة الأسطح بكافه أنواع الزراعات وإنتاج المحاصيل الاورجانيك الخالية من المبيدات والمخصبات الكيماوية وزراعتها بالطرق الحديثة.
«المساء» قضت يوماً في «نجع عون»، ورغم مشقة السفر إليها والذي يمر بطرق وعدة لا تبدو على الإطلاق وكأنها تمهد لهذا العالم الساحر، إلا أن الذهاب إليها يستحق، فيها إجابات عن كثير من التساؤلات، لعل أهمها معضلة أن نكون قادرين على مجابهة التحديات الحالية أو لا نكون، إذ تقدم حلاً للمعضلة ببساطة .. كي تكون «انتج غذاءك بنفسك» .. «كي تكون اعمل» .. كي تكون اصنع مجتمعاً يستحق الحياة.
بدأت فكرة زراعة أسطح المنازل منذ حوالي 10 سنوات بأحد البيوت، حيث بدأها أحد الأهالي، لتنتشر الفكرة بعد ذلك، حيث شملت العديد من منازل القرية، بحثاً عن الإكتفاء الذاتي من الخضروات والفواكه.
لم تقتصر طموحات الأهالي على الزراعة فقط، بل تطورت أفكار أبنائهم حتي وصلت القرية البسيطة إلي قرية منتجه ورائدة في الصناعات اليدوية مثل السجاد والكليم والهاند ميد والعديد من المنتجات اليدوية المختلفة
صرح “عبد الرحمن محمد”، مزارع وأحد شباب القرية والذى استغل سطح المنزل لزراعة المحاصيل المختلفة، بأن فكرة زراعة الأسطح بدأت منذ أكثر من عشر سنوات، حيث قام أحد أبناء القرية آنذاك بزراعه سطح منزله، وبدأت الفكرة في الإنتشار حتي وصلت القرية للإكتفاء الذاتي من العديد من المحاصيل مما خفف من تداعيات الآزمة الإقتصادية علينا
أضاف عبد الرحمن محمد: العديد من أهالي القرية لا تملك أرضاً زراعية، فساعد ذلك في إنتشار الفكرة، مشيراً إلى أن أشهر المحاصيل التي يقومون بزراعتها هي الفراولة والبصل والكرنب والقرنبيط والفول والخس، لذا يوفرون إحتياجات بيوتهم دون الحاجه للشراء
ومن جانبه، أكد سعيد البنا المسؤول عن تدريب الفتيات علي «النول اليدوي» بمركز تحديث الصناعة، أن القرية رائدة في صناعة المنتجات اليدوية من السجاد والكليم، مما أهلها لدعم العديد من مؤسسات الدولة لتطوير وتوطين الصناعة بالقرية، حيث بدأت صناعه السجاد الأملس، حتي وصلت لتدريب العاملين علي صناعه السجاد البارز يدوياً
وأشار إلى أن الفترة المقبلة ستشهد البدء في تدريب الفتيات علي صناعة السجاد المصنوع من الحرير، وهو يعد تطويراً آخر للصناعه يُضاف إلي تاريخ تلك الصناعه بالقرية
وقال “البنا”: ننتج كمية لا بأس بها من السجاد في الموسم الواحد، ونُشارك بكافة معارض الدولة، والمعارض الخاصة بالحرف اليدوية، وذلك بالتعاون مع مؤسسات الدولة وبأسعار مخفضة وجودة عالية
وأكد محمد السيد، أن تجربة قرية نجع عون نموذج متفرد للتنمية المستدامة، يجب تعميمه على جميع القرى للخروج من دائرة المعاناة، لافتاً إلى أن القرية كانت تعانى من كافة المشاكل المعيشية ومعظم أبنائها تحت خط الفقر، ولكن الحمد لله بجهود أبنائها تحولت إلى قرية منتجة.
وأوضح رجب سعد الجمعيات الأهلية ساعدتنا فى تحسين ظروف معيشتنا من خلال المشروعات الصغيرة المتنوعة من زراعة الأسطح بالطرق الحديثة التى توفر المياه وتحقق الاكتفاء الذاتى من الخضروات والفواكة لأهالى القرية، بالإضافة إلى المشروعات الحرفية الصغيرة مثل السجاد والملابس وإنتاج الحرير الطبيعى من دودة القز وكذلك إنتاج «عيش الغراب»، وتربية المواشى والدواجن.
وقال خالد محمود إن القرية وجدت الحل لمشاكلها في الاعتماد على نفسها، بزراعة أسطح المنازل والتى تعتبر تجربة جديدة على سكان القرى، الذين لا يعرفون إلا طرق الزراعة التقليدية، مضيفا أن زراعة الأسطح من خلال الأوانى والمواسير البلاستيكية هى الأمل فى الزراعات الحديثة، لأنها توفر المياه وتعطى إنتاجا أعلى، بالإضافة إلى أرباحها.
وأكد أن جميع المنتجات الزراعية طبيعية ”أورجانيك”، إذ لا يتم استخدام المبيدات أو الكيماويات فهى أكثر أمانا على صحة الإنسان من الزراعات الأخرى، وقد تم تدريب السيدات والشباب على زراعة أسطح المنازل من قبل متخصصين من أبناء القرية ومن خارج القرية أيضاً.