أول مايواجهك وأنت على باب قصر ثقافة كفر الشيخ،لافتة سريالية، معلقة في مكان بارز يجبر كل من يدخل القصر على قراءتها، تقول اللافتة” سينما الشعب.. تذكرة موحدة 40بـ جنيها”، وكأن نشاط القصر كله تم اختزاله في هذا النشاط التجاري البائس، الذي لايليق بمكانة ودور هيئة قصور الثقافة.
اللافتة مستفزة، ويزداد حجم الاستفزاز والاشمئزاز، عندما تعلم أنه لاأحد يقبل على هذا النشاط، حتى إن بعض الحفلات تقام بلا مشاهد واحد، ورغم ذلك يضطر العاملون إلى تشغيل الفيلم، لأن الأوامر تقول شغلوا الفيلم واشغلوا المسرح وعطلوا كل الأنشطة من أجل عيون ” سينما الشعب” التي لاهي سينما، ولاهي موجهة ،أساسًا، إلى الشعب .
تجاوزت عن هذه اللافتة وعصرت على نفسي شوال ليمون ودخلت القصر لمشاهدة العرض المسرحي لتخرج المتدربين في مشروع “ابدأ حلمك”، وبعد المشاهدة زاد استفزازي وتعجبي، وسألت نفسي، لماذا يصر المسئولون على تدمير قصور الثقافة، ولماذا يضحون بمواهب المئات من شبابنا من أجل مشروع فاشل كهذا” مشروع سينما الشعب”،وإذا كانت مصر لديها كل هذه المواهب المسرحية، فلماذا نضحي بها، لماذا نشردها، ونضطرها إلى اللجوء لجهات أخرى يسوءها أن تستمر مسيرة التنوير في مصر، ويسوءها أن تظل مصر ،الدولة العظمى ثقافيا ،في هذه المكانة الرفيعة، لماذا نصر على ضرب ثقلنا الثقافي في مقتل،من أجل عيون فكرة طائشة وغير مسئولة؟
أمرها عجيب هيئة قصور الثقافة، تكتشف كل هذه المواهب، وتوفر لها فرصة تدريب مجانية على يد اساتذة في فنون المسرح، ثم بعد ذلك ، وبدلا من استغلال هذه المواهب في تقديم عروض مسرحية ترتقي بوعي الناس ، تغلق المسارح في وجوههم لأنها مشغولة بعرض أفلام من عينة شلبي في المصيدة، ونبيل الجميل أخصائي تجميل، وغيرها من الأفلام التجارية ، التي هي بعيدة تماما عن الدور الذي أنشئت من أجله قصور الثقافة.
ستة وأربعون شابا وفتاة، يشرحوا القلب ، كما يقولون، يمثلون ويرقصون ويغنون، في ثقة وفرح وحضور، كأنهم محترفون، مع إنهم يقفون على الخشبة ويواجهون جمهورا ، ربما لأول مرة في حياتهم،لابأس في أن أذكر لك أسماءهم جميعا: إبراهيم السيد الفي، أحمد السيد محمد، أحمد كمال هلال، أحمد محمود مصطفى، أحمد مصطفى بسيوني مصري، أحمد هاني بلتاجي، أحمد هشام عبدالمؤمن عبدالقادر، أشرف أيمن علي، أمنية مفرح هلال، أيمن محمد عباس، بهاء أشرف رضوان حسين، جون طارق فؤاد، حبيبة ياسر خفاجي، حنين عز الرجال غنيم، رحمة إبراهيم عوض، سعيد محسن السيد علي، شروق أشرف خليفة، شمس محمد حامد، عبدالرحمن الخشاب، عبدالرحمن السيد بدير غازي، عبدالرحيم معتز بدير، علا رضا عباس، علي بدوي علي، عمر محمد السطوحي، عمرو عادل عبدالهادي، غادة كمال طنطاوي، كيرلس ناجي فخري، لمياء فريد محمد، محمد أحمد عبدالحميد الصاوي، محمد أحمد عبدالظاهر، محمد أحمد عبداللطيف، محمد أشرف أحمد مصطفى، محمد حمدي نويجي، محمد عادل محمد طه، محمد محب علي شلبي صالح، محمد محمود شعبان، محمد مصطفى الجوهري، محمود محمدعبدالكريم،مروة صبري فهمي عثمان، مصطفى عبدالله، ندى موسى علي أبو موسى، هشام محمد منصور، هنا محمد العرجاوي، ياسمين محمد قابيل، ياسمينا محرم أحمد، يمنى محمد عبدالعزيز المرداني.
قدم هؤلاء الشباب عرضا بعنوان” لايك”، هو ليس عرضا مسرحيا بالمعنى المفهوم،غرض العرض تقديم مواهب المتدربين وبيان الجهد المبذول في تدريبهم على فنون المسرح، لكنه رغم ذلك يحمل فكرة تتعلق بالهوس بالسوشيال ميديا، وتأثيرها السلبي على العلاقات الاجتماعية، موضوع يهم الشباب ويشغلهم، والكتابة جماعية للشباب أنفسهم، رشيقة ودمها خفيف،أشرفت عليها مدربة الدراما الناقدة رنا عبدالقوي،بدأ العرض بغناء جماعي امتزجت فيه الأغاني الدينية الإسلامية بالمسيحية،موسيقى صلاح مصطفى، وهو استهلال ذكي له دلالته، ثم توالت الفقرات مابين رقص وتعبير حركي مبهر، أشرف عليه محمد ميزو، وبدا من الرقصات ، على تنوعها، الجهد الكبير الذي بذله ميزو في تدريب الشباب،وتمثيل يفصح عن مواهب لافتة، أشرف على تدريباته الفنان د. علاء قوقة، والمخرج شادي الدالي، كما أشرف على تدريب السينوغرافيا د. عبدالناصر الجميل،والعرض رؤية شادي الدالي، سينوغرافيا د. عمرو الأشرف، والمشروع كله مديره التنفيذي الفنان د. هاني كمال، ومديره الفني المخرج أحمد طه.
الحفل أشرف عليه أمل عبدالله رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي، ود. جاكلين بشرى مدير الفرع الثقافي بكفر الشيخ،وتولى الإعداد له عبدالحليم سالم مدير المركز الثقافي، وأحمد الشهاوي مدير المكتب الفني، ورامي عبدالوهاب عبدالمحسن مدير الفرقة.
للأمانة حاجة مفرحة أن تشاهد كل هذه المواهب الواعدة في محافظة كفر الشيخ،كان واضحا مدى الجهد الذي بذله المدربون والمشرفون ، في إعدادهم وتدريبهم، وقد علمت أن عدد المتقدمين للورشة تجاوز الـ 600 شاب وفتاة، تم تصفيتهم إلى هذا العدد،والكرة الآن في ملعب الهيئة، بمعنى استثمار مواهب هؤلاء الشباب، واعتمادهم كفرقة مسرحية،ووضع برنامج لهم لتقديم مزيد من العروض، نحن أمام مشروع قومي مهم،عليه بعض الملاحظات لاشك في ذلك،وذكرتها من قبل، لكنها لاتشكل عائقا أمام استمراره وتطويره، سبق أن أعلنت وزيرة الثفاة السابقة د. إيناس عبدالدايم عن اعتماد متدربي أسيوط كفرقة مسرحية مستقلة،لكننا لم نشاهد أي عروض لهذه الفرقة، ولا لغيرها من الفرق التي تخرج متدربوها في المشروع، فهل نكتفي باللقطة في حفلات التخرج ثم يذهب هؤلاء الأولاد إلى الجحيم، أم نحافظ عليهم ونواصل معهم المشوار، ونقدم من خلالهم عروضا مسرحية في أقاليمهم، وندعو النقاد والإعلاميين والمنتجين لمشاهدتهم والتسويق لهم، لابد أن تكمل الهيئة دورها ولاتكتفي باللقطة.. ربما تقف الميزانيات عائقا، لكن على الدولة ألا تبخل في دعم مثل هذه المشروعات المهمة.
أمر آخر لابد أن أهمس به إلى وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني ، التي تمنيت أن أشاهدها في كفر الشيخ لترى نتيجة هذه الورشة وتعلم حجم الجهد المبذول في إعداد هؤلاء الشباب، وكذلك إلى الصديق المخرج هشام عطوة رئيس هيئة قصور الثقافة،لابد من إعادة النظر في مشروع ” سينما الشعب” كل الشواهد أكدت فشله وعدم جدواه، وتأثيره السلبي على نشاط هيئة قصور الثقافة،فلماذا الإصرار على استمراره بهذا الشكل ،الذي اعتبره ضد الثقافة، بل وضد الوطن أساسًا، نشاط فاشل ويؤثر بالسلب على النشاط الأساسي للهيئة، دور الهيئة ليس تجاريا، ولايجب ولايصح اختزاله في نشاط سينمائي تجاري بائس، بل شديد البؤس.
ياناس نحن لسنا ضد السينما، ولكن أي سينما، وأي توقيتات يمكن تقديمها خلالها، مايحدث فوق الجنون بكثير،والإصرار عليه كارثي ومحبط،قدموا السينما في حفل واحد يوميا، واختاروا من الأفلام ما يفيد الناس ويسهم في تطوير وعيهم،ولامانع من تقديم الأفلام التجارية ،التي تصرون عليها، في الأعياد والمناسبات.. وللمرة المليون أفيدونا بأعداد المترددين على العروض السينمائية التي تقدمونها، وحجم الإيرادات، الذي يؤكد الكثيرون أنه أكثر إضحاكا من الأفلام نفسها،التي تقدمونها..لماذا تصرون على الفشل.. ولمصلحة من؟