✍ بقلم د.محمد يوسف المملوك
موجه شئون القرآن الكريم بالأزهر الشريف
وباحث دكتوراه بكلية دار العلوم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد: كثير منا يسأل كيف نستقبل شهر رمضان فأقول وبالله التوفيق:
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يستقبل شهر رمضان بصورةٍ خاصة؛ فلم يكن استقباله كاستقبال سائر الشهور، بل كانت له مكانة خاصة عند النبي -صلى الله عليه وسلّم-، وعند الصحابة -رضي الله عنهم-، وكان -صلى الله عليه وسلم- يُبشرهم بقدومه؛ فقد رُوي عنه أنّه كان يقول: (أتاكم شهرُ رمضانَ، شهرٌ مبارَكٌ، فرض اللهُ عليكم صيامَه، تفتحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتُغَلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ، وفيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهرٍ، من حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ).
وإنَّ الأمة الإسلامية جمعاء في الأيام القليلة القادمة تستقبل ضيفاً عزيزا ووافداً كريماً تتشوّق القلوب إلى مجيئه وتتطلع النفوس إلى قدومه ؛إنه ضيفٌ حبيبٌ على قلوب المؤمنين عزيزٌ على نفوسهم ، يفرحون بمجيئه ويهنئ بعضهم بعضا بقدومه ، وكلهم يرجو أن يبلُغَ هذا الضيف وأن يُحَصِّل ما فيه من خير وبركة؛ ألا وهو شهر رمضان المبارك شهر الخيرات والبركات ، شهر الطاعات والقربات ، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن ، شهر الذكر والاستغفار والدعاء والمناجاة ، شهر الجود والسخاء والبذل والعطاء والإحسان ،شهرٌ تعددت خيراته وتنوعت بركاته وعظمت مجالات الربح فيه ، ذلكم الشهر العظيم المبارك الذي خصه الله تعالى بميزات كريمة وخصائص عظيمة ومناقب جمّة تميزه عن سائر الشهور .
وقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بمقدم هذا الشهر الكريم ويبين لهم خصائصه وفضائله ومناقبه ويَسْتَحثَّهم على الجد والاجتهاد فيه بطاعة الله والتقرب إلى الله تعالى فيه بما يرضيه ،ثبت في المسند للإمام أحمد بإسناد جيد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « هذا شهر رمضان قد جاءكم فيه تفتّح أبواب الجنة وتغلَّق أبواب النار وتصفّد الشياطين » ، وثبت في سنن الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَة »
هذا هو رمضانُ شهرُ تزكيةِ النفوس وتربيتِها ، والصوم أعظم القرُبات فيه : الصومُ الذي افترضه الله تعالى تحقيقًا للتّقوى .. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون) والتّقوى حساسيّةٌ في الضمير ، وصَفاء في الشعورِ ، وشفافيّة في النفس ، ومراقبةٌ لله تعالى، فالصّوم ينمِّي الشعورَ بالمراقبة ، ويزكِّي النفس بالطاعة.
أمَّا ثواب الصائمين فذاك أمرٌ مردُّه إلى الكريم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ قال: ((قال الله عزّ وجلّ: كلُّ عمَلِ ابنِ آدم له إلاَّ الصّوم، فإنه لي وأنا أجزِي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخَب، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتَله فليقُل: إني امرُؤ صائم. والذي نفس محمّد بيده، لخلوفُ فمِ الصائم أطيبُ عند الله يومَ القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرِح بفطره، وإذا لقيَ ربَّه فرح بصومه)) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عندهما: ((يدع طعامَه وشرابه وشهوتَه من أجلي)) ، وفي صحيح مسلم أنّ النبيّ قال: ((ورمضانُ إلى رمضان مكفِّرات لما بينهنّ إذا اجتُنِبت الكبائر)).
فعلى كل مسلم أن يحرص كل الحرص على النية الصالحة والعزم الجاد على الاجتهاد في طاعة الله في رمضان كما ينبغي على المسلم أن لا يفرط في مواسم الطاعات ،وأن يكون من السابقين إليها ومن المتنافسين فيها ،قال الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}
وقد كان سلفنا الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان يهتمون بشهر رمضان ،ويفرحون بقدومه ،وأي فرح أعظم من الإخبار بقرب رمضان موسم الخيرات ، وتنزل الرحمات .
فاللهم بلغنا رمضان وتقبله منا إنك أنت السميع العليم .