بقلم: الشيخ محمد عبد العزيز الشملول
امام وخطيب مسجد البديع بأكتوبر
ما أحوجنا لفهم القرآن فهما يوقظ الضمائر ، ويحي النفوس ، ويقوي الايمان ، ويوجه الأمة لطريق الله المستقيم .
في الأيام الأخيرة نستقبل شهر رمضان المبارك ، وهذا الشهر ليس كأي شهر من الشهور ، وخاصة في ظل الغلاء الفاحش الذي يتسابق مع الزمن ، واستغلال التجار الذي يتسابق مع إجرام إبليس !!
أرى من واجب الوقت ، وفقه الواقع أن تتأمل الضمائر الحية ، والنفوس المطئنة المصدقة بالله واليوم الآخر في حال بعض الناس اليوم …..
وهناك مسكين تلتهب امعاؤه من شدة الجوع وطوله ،
ويتيم ضائع لا يجد من يرعاه ويرحمه ،
وفقير يلملم ثوبه الممزق ليستر به عورته ، وعفيف يعاني صراع العفة والفقر بينما يحسبه الناس غنيا من التعفف ،
وأرملة فقدت عائلها فصارت تتغذى بدموعها ،
وتكتسي بهمومها ، وتنظر بعينين زائغتين لعلها تجد إنساناً تهزه إنسانيته فيرعها ، فإذا بها تجد ذئابا تعوى لتمزقها وتقضي عليها !!!
وفي حالة من التأمل والتساؤل بجوار نافذة السيارة ، اسمع القارئ يتلو سورة الماعون
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) } [سورة الماعون ]
سورة مكية ….تقرر في آياتها الاولى أن الذي يزجر اليتيم وينهره ، ويهمل المسكين الذي أذلته الحاجة وعضه الفقر والبؤس ….هو إنسان مكذب بلقاء الله وحسابه وجزائه ، ولو آمن بالله وجزائه وكتابه لاندفع بقلب ملئ بالرحمة حريص على النجاة من عذاب الله وغضبه ، فأكرم اليتيم ، وأعطى المحتاج مما أنعم الله به عليه .
وبعد ذلك تجد السورة تأخذك لملمح أخر وهو فضح المتظاهرين بالصلاح ، المتشدقين بالتدين فتصب عليهم الويل والهلاك والشقاء الأبدي ، لأنهم إن صلوا كانت صلاتهم رياء يريدون بها أن يقنعوا الذين يرونهم بأنهم من المصلين المحافظين على شعائر الدين ، فإن لم يرهم أحد فهم غافلون عن الصلاة مضيعون لها .
والدليل على ظلامهم الباطني وخرابهم النفسي أنك لا تجد لصلاتهم أثرا في حياتهم الاجتماعية ، بل الآثار تدل على فساد قلوبهم ، لأنهم يمنعون خيرهم عن المحتاجين إلى معونتهم ومساعدتهم ولا يقومون نحوهم بما يجب على صاحب الإيمان أن يقوم به من مساعدة وإعانة لبني دينه وإنسانيته .
يالعظمة هذا القرآن !!
أي رباط أقوى من هذا الرباط الذي يربط بين العقيدة الصحيحة والواجبات الاجتماعية المشروعة ؟؟
إن الرحمة الاجتماعية ، والتعاون الإنساني والحرص على نفع الآخرين أساسا يبني عليه تقويم الإنسان وجزاؤه .
عن أبي هريرة _رضي الله عنه_ عن النبي _صلى الله عليه وسلم _ قال ( من نفس مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخية …..) رواه مسلم.