هل فكرت أو جاء في خاطرك وخيالك وتصورت لحظة حياتك بطريقة “الفلاش باك” مثل أفلام السينما، أي أنك انتقلت للحياة الآخرة وتستعيد الآن شريط ذكرياتك لحظة بلحظة، وتتمنى لو عدت الى الدنيا لادراك مالم تدركه؟؟!!
كلنا سنغادر ونترجل من قطار الحياة عندما يحين الأجل ونصل الى محطتنا النهائية المحددة سلفاً دون تأخير أو إبطاء وسنذهب وحدنا الى عالم غريب مختلف عما عشناه ونعرفه بلا سند و”عزوة” أو جاه وسلطان، ولا مجال فيه للكذب والخداع لأن كل شيء مسجل لك ــ أو عليك ــ بالصوت والصورة، مع وجود شهود عدول لايمكن شراؤهم أو رشوتهم هم يداك وقدماك وسمعك وبصرك ولسانك وحتى جلدك.
المشكلة أنك ــ وأننا ــ لانعلم موعد النزول ووصولنا الى المحطة الأخيرة حتى نستعد ونعوض مافاتنا، قد يكون ذلك بعد عقود طويلة أو لحظات معدودة.. فجأة ينتهي أمرك وتتحول من شخص كان يملأ الدنياً صخباً وحركة وحياة وأحلاماً الى جسد ساكن وسيظل هكذا الى الأبد.
لحظة من فضلك “ماتتخضش”.. الموضوع ليس تخويفاً، أو ترهيباً من الموت ولكن ما أقصده هو القاء الضوء على الطريقة التي نعيش بها وأوصلتنا الى حالة غير مسبوقة من الضغوط المتواصلة جعلتنا نئن ونشكو بل ويقدم بعضنا على التخلص من حياتهم.
الكثير من الناس يشكون باستمرار حتى ممن لاتتوقع منهم الشكوى.. الغني مثل الفقير.. السليم قبل المريض.. ومن يتبوأ منصباً مرموقاً لا يختلف كثيراً عن العامل البسيط الذي يحصل على قوت اليوم بيومه.
***
دائما يراودني سؤال: ما الذي يدفع شباباً في عمر الزهور الى الإنتحار وإنهاء حياتهم، وآخرهم فتاة مول “سيتي ستارز” بمدينة نصر بالقاهرة التي ألقت بنفسها من الطابق السادس الأسبوع الماضي؟!، الإجابة ستجدها في الغالب واحدة وإن اختلفت بعض التفاصيل، فالضغوط والمشاكل الحياتية هي المتهم الأول والرئيس في معظم الحوادث.
وجزء من هذه الضغوط ــ أو معظمها ــ نفسي و يتمثل في حالة الفصام أو الإزدواجية بين مانقوله ونفعله، معظم الناس يتحدثون بـ “قال الله” و”قال الرسول”، ونظرة سريعة على مواقع التواصل الإجتماعي تجعلك تشعر أننا نعيش بالمدينة الفاضلة التي يسكنها الأخيار فقط ولامكان فيها للشر أو الأشرار، وعندما نعود الى أرض الواقع ونتعامل مع هؤلاء الأشخاص بذات أنفسهم نجد عكس تلك الصور المثالية تماماَ.
إننا نسير معصوبي الأعين على طريقة الترس الصغير في الآلة الكبيرة بلا تفكير أو وقفة مع النفس لمراجعة أسلوب حياتنا ونصحح أخطاءنا أولاً بأول ولانستيقظ الا على وقوع كارثة، تؤثر فينا لبعض الوقت ولانسأل أنفسنا السؤال البديهي: لماذا يصل شاب صغير ــ أو شابة ــ الى قرار ازهاق روحه؟؟!!
***
هل تتذكر متى كانت آخر مرة قمت فيها بعمل خيرلا تبغي من ورائه عرضاً من عروض الدنيا؟!، أو متى وصلت رحمك ولو بمكالمة هاتفية ولم تتعلل بزحمة وضغوط الحياة؟!.. وهل تغاضيت عن أخطاء أقاربك ومعارفك وجيرانك محتسباً ذلك لله؟!.. هل سعيت وعطلت نفسك من أجل انجاز مصلحة لجار أو صديق لجأ اليك أم تهربت بحجة عدم وجود وقت ؟!
هل فكرت قليلاً قبل أن تؤذي أحداً ولو بمجرد كلمة جارجة قد تكون أشد قسوة وتأثيراً من طلقة رصاص، ورب كلمة تهوي بصاحبها أربعين خريفاً في النار.. كما أن ابتسامتك في وجه اخيك صدقة؟!
أسئلة كثيرة، تحدد اذا كنت جاهزاً ومستعداً للنزول من قطار الحياة في محطتك حتى لو حانت بعد دقيقة واحدة فقط، ومن خلالها أيضاً ستكتشف “اكسير السعادة” المتمثل في قدرتك ــ ورغبتك ــ في العطاء والتسامح ومحبة الناس.
أيمن عبد الجواد